-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

التعـويض عـن الضـرر البيئـي

التعـويض عـن الضـرر البيئـي
الأسـتاذ: يـوسفـي نـور الـدين
جــامعــة قـاصــدي مــربـاح ورقلة
 ملخص المقال باللغة العربية:
تعويض الاضرار البيئية : ان تعويض الضرر البيئي اصبح امرا ضروريا بالرغم من عدم وجود نص خاص ينظمه ، و بالتالي كان لازما الرجوع الى القواعد العامة الواردة في القانون المدني، بحيث يتم تطبيق التعويض العيني و النقدي ، اضافة الى الاستعانة بوسائل اخرى كالصناديق و التأمين  
En langue française :
Indemnisation des dommages ecologiques :
en dépit de l'absence de disposition spéciale organise  l 'indemnisation des dommages à l'environnement , elle est devenue nécessaire ,donc a fallu se référer aux dispositions générales énoncées dans le Code civil, de demander une indemnisation en nature et en espèces, en plus ,l'utilisation d'autres moyens comme les caisses et de l'assurance.
 
 
المقدمة:
نتيجة لعدم نص المشرع الجزائري، سواء في القانون المدني أو بموجب التشريع البيئي على نصوص خاصة تتعلق بالمسؤولية عن أضرار التلوث البيئي، حتى أنه لم يحلها صراحة للقواعد العامة، ألزمنا أن نشير لبعض الأنظمة الحديثة كالقانون الألماني لسنة 1990 المتعلق بالمسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، وكذا اتفاقية لوجانو الصادرة في 21 جويلية 1993 والمتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن الأنشطة الخطرة بالنسبة للبيئة باعتبارها كنماذج يمكن أن يقتدي بها المشرع الجزائري.
وبمجرد توافر أركان المسؤولية المدنية، يكون للشخص المتضرر الحق في التعويض إلا أن تعويض الأضرار التي تصيب الأموال والأشخاص والناتجة من جراء التلوث البيئي، قد يكون من السهل تقديرها ومثال ذلك إلقاء شخص لبعض المبيدات السامة في جداول الماء التي تشرب ماشية جاره منها فيتسبب في موتها، فهنا نستطيع تقدير قيمة تلك الماشية بعكس ما يمكن أن تثيره مسألة تقدير قيمة الضرر الذي أصاب المياه أو التربة من جراء ذلك، إلا أن تلك الصعوبة لا يمكن رفض التعويض من أجلها، وبقبول التعويض عليها نتخير الشكل الأكثر ملائمة للتعويض.
ولكي يحصل المتضرر على التعويض، للمضرور اللجوء للقضاء للمطالبة به  بتوافر شروط قبول الدعوى، ونفس الأمر سيواجهنا في مجال الأضرار البيئية المحضة وقد تم صياغة ذلك في مطلبين يتعلق أولها بصور التعويض، وثانيها بوسائل الضمان المالي.
المطلب الأول :صور التعويض عن أضرار التلوث البيئي
يترتب على العمل غير المشروع نشوء الحق في التعويض للمضرور ويقع على عاتق المسؤول هذا العبء، ويحاول القضاء دوما منح المتضرر تعويضا كاملا، إذ يقوم القاضي بتعين طريقة التعويض ومقداره.
 وذلك ما نصت عليه المادة 132 مدني جزائري:"يعين القاضي التعويض تبعا للظروف، ويصح أن يكون التعويض مقسطا، كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا، ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا.
ويقدر التعويض بالنقد، على أنه يجوز للقاضي تبعا للظروف، وبناءا على طلب المضرور أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أو أن يحكم وذلك على سبيل التعويض بأداء بعض الإعانات تتصل بالفعل الغير المشروع".
ونستخلص من نص المادة 132 بأن للتعويض صورتين وهما التعويض العيني وكذا النقدي، فما المقصود بهما؟
الفرع لأول
التــعـويض الــعينـي
التعويض وسيلة لإصلاح الضرر، ويقصد به الإصلاح لا المحو النهائي له والتعويض العيني هو إجبار المدين على التنفيذ العيني على سبيل التعويض ويتحقق ذلك عندما يكون الخطأ الذي ارتكبه المدين في صورة يمكن إزالتها مثال ذلك: بناء الشخص حائطا ليسد على جاره الضوء والهواء، ففي هذه الحالة يجوز أن يكون التعويض عينيا عن طريق هدم الحائط .
ويعد التعويض العيني هو الأفضل لجبر الضرر، وبالتالي لا يمكن أن يطالب المدين بالتعويض النقدي إلا في الحالة التي يستحيل فيها التنفيذ العيني، ففي حالة مطالبة المتضرر للتعويض النقدي، إلا أن المسؤول عرض التعويض عينا كرد الشيء المغتصب مثلا، فإنه يتعين على المتضرر قبوله ولا تعد المحكمة متجاوزة سلطتها ولو لم يطلبه المدعي .
ولكن يرد على هذا الأصل إستثناءات وهي كالتالي:
1-  قد يكون التعويض العيني غير ممكن من الناحية الإنسانية، ومثال ذلك الضرر الجسماني أو الأدبي، كمن يلحق بآخر جروحا، أو يعتدي على شرفه أو سمعته وعواطفه ففي هذه الحالة لا يمكن التعويض إلا بمقابل، لأن التعويض العيني غير مستساغ إنسانيا.
2-  قد يحكم على المدين بالتعويض بمقابل في حالة ما إذا كان التنفيذ العيني مستحيل في الالتزام العقدي، إذا كان محله عينا معينة بالذات وهلكت إلا إذا أثبت السبب الأجنبي.
3-  إذا كان التعويض العيني يستحيل إستحالة نسبية للمدين في الالتزام بعمل أو الامتناع عن عمل، أي أن المدين هو من يقوم بالالتزام شخصيا، وحال دون ذلك مانع شخصي كما في الالتزامات العقدية، كأن يلتزم رسام برسم لوحة فنية ثم يصاب في عينه، أما في مجال المسؤولية التقصيرية عدم إمكانية رد الشيء المسروق من طرف السارق لأنه فقده.
4-  إذا كان من شأن التنفيذ العيني المساس بمبدأ الفصل بين السلطات كأن ترخص السلطة التنفيذية بإدارة مصنع، إلا أنه أحدث ضررا بالجيران، ففي هذه الحالة لا تستطيع السلطة القضائية، أن تحكم بغلق المصنع كتعويض عيني للجيران، لأنه يعد بمثابة الاعتداء على اختصاص السلطة التنفيذية، ولذلك يقتصر حكمها بالتعويض بمقابل فقط، إلا في حالة ماإذا لم يحصل المصنع على ترخيص أو انه تجاوز حدود الترخيص الممنوح له.
وقد أعطى القضاء الفرنسي للمتضرر إلى جانب حقه في المطالبة بالتعويض العيني، طلب وقف الأنشطة غير المشروعة التي تلحق به الضرر، وذلك ما أدى لانقسام الفقه الفرنسي لفريق يري بأن التعويض العيني هو الأصل وهو ما يجب أن يقضي به القاضي، والآخر يرى ترك الأمر للقاضي لاختيار الوسيلة الأكثر ملائمة لجبر الضرر ونشير في هذا الصدد أن المقصود من وراء التعويض العيني هو العودة إلى حالة وظيفية للمال، تكون معادلة ما أقل أو أكثر للحالة التي كان عليها قبل الضرر، وذلك هو التعويض الكامل، وعليه فالهدف منه في مجال الأضرار هو إعادة الحال لما كان عليه الوسط البيئي قبل تضرره .
وقبل التطرق للتعويض العيني لا بد من الإشارة للوسائل التي تهدف لوقف الأنشطة الغير مشروعة هذا من جهة ومن جهة ثانية لتحديد الوسائل الوقائية، كما أنه لا بد من التمييز بين الوسائل الهادفة لإزالة الضرر، وتلك التي تهدف لإزالة مصدره، ويعد وقف الأنشطة غير المشروعة المضرة بالبيئة من بين صور الوقاية، وليست محوا للضرر المترتب من ممارسة النشاط، لإنه في حالة وقوع ضرر، فوقف النشاط المتسبب فيه لا يعد تعويض عنه، ولكن يقصد من ورائه تفادي وقوع الضرر في المستقبل، ومثال ذلك إلقاء مصنع لمواد ملوثة في مجرى مياه مستعمل، ففي هذه الحالة يتم تقدير الأضرار التي أصابت الأشخاص، دون الإعتداد بوقف هذا النشاط الذي يصطدم ببعض العقبات خاصة فيما يتعلق بالمنشآت الخاضعة للتصريح من قبل الجهات الإدارية المختصة، بحيث لا يمكن للقاضي المدني أن يأمر بشيء يدخل ضمن اختصاص القضاء الإداري.
وبموجب المادة 18 من اتفاقية لوجا نو 1993 أعطي الحق للتجمعات المتخصصة في المحافظة على البيئة للمطالبة القضائية بوقف الأنشطة غير المشروعة التي تشكل تهديدا للبيئة، أو الطلب من القاضي بأمر مستغل المنشأة باتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار وقوع أضرار  .
وتعد هذه الإجراءات بمثابة إجراءات وقائية، وهو ما يفضله القضاء الفرنسي، بإلزام المستغل بإتباعها.
وبتحقق الفعل الضار لا بد من اتخاذ الوسائل اللازمة لمنع تحقق الضرر، أو منع تفاقمه وهو ما يسمي "بوسائل الحماية" التي قد تتخذ من قبل الدولة وهو التدخل المرغوب فيه لما تملكه من إمكانيات تساعد على توفير حماية واسعة للبيئة من التلوث، ويتم عن طريق سلطات الضبط الإداري، ويطبق في هذا الشأن مبدأ مجانية الخدمات العامة كما يمكن أنه يتم التدخل من قبل الأشخاص المرتبطين مع الدولة أو جهاتها الإدارية بعقد، وبالتالي فإن مقدار تعويضهم يكون محددا بواسطة العقد).
ولكن ما هي حالة المتطوعين الذين لا تربطهم مع الدولة أي عقود، فهل يحق لهم المطالبة بالتعويض وما هو أساس ذلك؟
إن تأسيس المطالبة يتم في هذه الحالة وفقا لنظرية الفضالة، بموجب أن المتدخل قد قصد إدارة أعمال لحساب شخص آخر، دون تصريح من قبل هذا الأخير ويشترط في هذا التدخل أن يكون مبررا ومفيدا، بحيث يتم تقدير ذلك وقت التدخل، وليس وقت المطالبة بالتعويض، وفي حالة تقدير فائدة التدخل من قبل القاضي يتم تعويض المتدخل عما أنفقه من مصروفات للتدخل، وكذا ما لحقه من أضرار بسببه، ويمنح المتدخل التعويض على أساس الفضالة حتى ولو أخفق في تحقيق نتيجة مفيدة، وهو ما أخذ به القضاء الفرنسي بغرض التخفيف من شروطها)   .
وبالرغم من اتخاذ كافة وسائل الوقاية، إلا أن الضرر قد يقع بالفعل مما يستدعي إعادة الحال إلى ما كان عليه، وذلك ما أوصى به الكتاب الأخضر الخاص بالتوجيهات الأوروبية في مجال البيئة، بأن إعادة الحال إلى ما كان عليه كتعويض عيني، يمثل العلاج البيئي الوحيد الأكثر ملائمة، ويشكل في غالبية الحالات عقوبة تكميلية يلتزم بها المسؤول إلى جانب العقوبة الأصلية التي قد تكون جنائية أو إدارية.
ونصت على إعادة الحال إلى ما كان عليه العديد من القوانين صراحة من ذلك مثلا، القانون الفرنسي الصادر في 15 جويلية 1975 المتعلق بالمخلفات الذي يقضي بإعادة الحال بالنسبة للأماكن التي لحقتها أضرار بسبب مخلفات لم يتم معالجتها وفقا للشروط المحدد في هذا القانون، وأيضا بالنسبة لاتفاقية لوجا نو اعتبرت أن إعادة الحال إلى ما كان عليه من ضمن صور التعويض، وبغرض تطبيق ذلك بصورة كاملة فإنه في حالة امتناع المسؤول عن تنفيذ التزامه في الموعد المحدد له، يجوز للإدارة الحلول محله وعلى نفقته.
ونفس الحكم نجده في المادة 43 فقرة 01 من قانون 19/01 بأنه: "في حالة إنهاء استغلال أو غلق نهائي لمنشأة لمعالجة النفايات، يلزم المستغل بإعادة تأهيل الموقع إلى حالته الأصلية أو إلى الحالة التي تحددها السلطة المختصة".
بالإضافة لذلك نصت الفقرة 03 من نفس المادة بأنه :"بغض النظر عن المتابعات الجزائية التي يمكن أن تمارس، ولم يرفض المستغل القيام بإعادة تأهيل الموقع تنفذ السلطة الإدارية المختصة تلقائيا الأشغال الضرورية لتأهيل الموقع على حساب المستغل".
وقد عرفت اتفاقية لوجا نو وسائل إعادة الحالة إلى ما كانت عليه كتعويض عيني بأنها :"كل وسيلة معقولة يكون الغرض منها إعادة تهيئة أو إصلاح المكونات البيئية المضرورة، وكذلك الوسائل التي يكون قصدها إنشاء حالة من التعادل، إذا كان ذلك معقولا وممكنا بالنسبة للعناصر المكونة للبيئة"، وعرفها الكتاب الأبيض بأنها :"كل وسيلة تهدف للإصلاح بقصد إنشاء حالة توجد فيها المصادر الطبيعية كالحالة التي كانت عليها قبل وقوع الضرر .   
وعليه فالمقصود من إعادة الحال لما كان عليه هو إصلاح وترميم الوسيط البيئي الذي أصابه التلوث أو إعادة إنشاء شروط معيشية مناسبة للأماكن التي يهددها الخطر  فإذا لم يكن ذلك يتم إنشاء مكان آخر تتوافر فيه نفس الشروط المعيشية للمكان المضرور في موضع قريب أو بعيد بعض الشيء من الوسط الملوث، إلا أن هذا الحل أنتقد كون أن بعض العناصر غير قابلة للإحلال بشكل كامل، كما أنه من الصعوبة القيام به لما يتطلبه من دراسات خاصة بالوسط الملوث للتعرف على حالته قبل التلوث، كما يؤخذ في الاعتبار ما تكلفه عملية إعادة الحال لما كان عليه بحيث يجب ألا تزيد قيمتها على قيمة المكان قبل التلوث، بحيث تبذل الإمكانيات بقدر المكان المراد إزالة التلوث عليه، ونتيجة لذلك إذا تجاوزت تكاليف إزالة التلوث قيمة المكان الملوث فللقاضي الحكم بأقل القيمتين كتعويض، عكس ما ورد في القانون الألماني للبيئة الذي أقر للمدعي حق إعادة الحال لما كان عليه، ولو تجاوزت القيمة قيمة المكان المراد إزالة التلوث عنه . 
                                                                                                                       
الفرع الثاني
التعـــويض النــقدي
يعد التعويض النقدي هو الحكم الغالب في دعوى المسؤولية التقصيرية لأن غالبية الأضرار يمكن تقويمها بالنقد حتى بالنسبة للأضرار المعنوية .
ويكون التعويض النقدي في الحالة التي يتعذر فيها التنفيذ العيني، والأصل في التعويض النقدي أن يكون مبلغ من النقود يدفع للمتضرر دفعة واحدة .
إلا أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون التعويض على شكل أقساط أو إيراد مرتب مدى الحياة.
والفرق بين التعويض المقسط والإيراد مدى الحياة، هو أن الأول يدفع على شكل أقساط في آجال معينة ويعين عددها، ويتم التعويض باستيفاء آخر قسط فيها، أما بالنسبة للإيراد المرتب مدى الحياة، فيشتمل على أقساط إلا أنه غير مرتبط بمدة معينة سوى مدة حياة المتضرر، فمثلا قد يحكم القاضي بتعويض مقسط إذا كان المضرور قد أصيب بصورة تجعله عاجزا عن العمل لمدة معينة، أما إذا كانت الإصابة تعجزه عن العمل كليا أو جزئيا بصفة دائمة جاز الحكم له بإيراد مرتب مدى الحياة .
وقد حددت اتفاقية لوجا نو، أن الضرر الواجب التعويض يشتمل الوفاة والإصابة الجسدية وكذلك ما يلحق بالأموال، وأجازت تعويض الأضرار التي تصيب البيئة في حد ذاتها أو ما يمكن تسميته بالضرر البيئي المحض.
وكما أشرنا أن التقدير النقدي للأضرار التي لا تصيب البيئة في حد ذاتها أي الأموال أو الأشخاص قد يكون من السهل، عكس ما يثار بشأن الأضرار البيئية المحضة بالرغم لما يوفره من مزايا، إذ يعد بمثابة المجازاة لكل تلف للأماكن الطبيعية في الحالة التي لا يمكن إعادتها عن طريق التعويض العيني، لاستحالة أو لعدم وجود المصلحة من وراء هذا الإصلاح، وبالأخص بالنسبة للتكلفة الباهضة التي يمكن أن يكلفها المسؤول، كما أن وجود التعويض النقدي يعكس وجود بعض الأضرار البيئية الغير قابلة للتعويض، ومن أهم الإشكالات التي يمكن أن يثيرها التعويض النقدي عن أضرار التلوث البيئي هي طريقة تعويضه، ولذلك أوردنا مجموعة من الطرق التي توصلت إليها بعض التشريعات.
أولا: التقدير الموحد للضرر البيئي
ويتم عن طريق إعطاء العناصر الطبيعية تقييما نقديا تجاريا ومثال ذلك: ما حكم به القضاء الفرنسي من تحميل مقاول مخالفة تلويث المياه وألزمه بدفع فرنك واحد رمزي كغرامة، وإلزمه بدفع التعويض المترتب على التلويث بمبلغ يقدر بـ25000 فرنك فرنسي، وبغرض إعطاء قيمة نقدية للثروات الطبيعية تنازع ذلك العديد من النظريات فمنها من يرى بأنها تقوم على أساس قيمة استعمال الثروات والعناصر الطبيعية أي وفقا للمنفعة التي يجنيها الإنسان من هذه العناصر البيئية، بالإضافة للنفقات اللازمة لإزالة التلوث.
أما النظرية الثانية تتجه للقول أن التقدير لا يكون على أساس الاستعمال الفعلي للأموال، وإنما على أساس إمكانية إستعمال الموارد البيئية في المستقبل وفيما يتعلق بالنظرية الثالثة فهي لا تقوم على الأساس الأول ولا الثاني، وإنما ترى بأن هناك بعض العناصر التي توجد مستقلة في تقدير قيمتها عن استعمالها وتستمد قيمتها الطبيعية العالية من مجرد وجودها فقط، إذ يمكن تقديرها نسبيا من خلال ما يدفعه الأفراد من مبالغ للتعرف على مجرد وجودها فقط.
غير أنه يؤخذ على هذا الإتجاه الذي يرى بالتقدير الموحد عدم أخذه في الحسبان بأن تقدير قيمة الثروات الطبيعية يجب أن يتم وفقا للوظائف البيئية وهو ما يصعب تقديره.
 ثانيا: التقدير الجزافي للضرر البيئي
طبق القضاء الفرنسي هذه الطريقة في قضية تلوث أحد الأنهار بحيث تم حساب التعويض جزافيا على أساس طول المجرى المصاب بالتلوث، والذي قدر له واحد فرنك على كل متر طولا، ونصف فرنك على كل متر مربع للمساحة العرضية، وفي ألاسكا يقدر التعويض وفقا لقانون المياه وهي طريقة أكثر دقة، على أساس كمية الزيت الملوثة لها، مع الأخذ بعين الاعتبار فيما إذا كان يحتوى على مواد ملوثة أم لا، بما يزيد حدة التأثير على البيئة.
وبالرغم من كون أن هذه الطريقة لا تعد هي التقدير الحقيقي لأضرار التلوث البيئي إلا أنها تحل إشكالية عدم تعويض الأضرار البيئية المحصنةكما انتقد الإتجاه الذي يقضي بالتعويض النقدي، على أنه اتجاه بربري لأنه لا يمكن أن يعوض بالنقود إختفاء مخلوق مثلا .    
وفي الأخير نقول أن أي من النظامين أتبع لا يمكن له أن يحقق الإصلاح الكامل للأضرار اللاحقة بالبيئة.
وفي اعتقادنا أن التشريع الجزائري يجب أن يشتمل على نصوص تنظم المسؤولية البيئية ونظام للتعويض يتلائم وخصوصية هذه الأضرار، لأن تطبيق القواعد العامة الواردة ضمن القانون المدني لا تتعلق إلا بالأضرار التي تصيب الأموال والأشخاص، وفي حالة تطبيقها نكون قد تركنا الأضرار التي تصيب البيئة من غير تعويض، بالرغم من أنها أصبحت أمرا مقبولا لدى العديد من التشريعات الداخلية.
المطلب الثاني:
وسائل الضمان المالي
إن غالبية التشريعات الحديثة تتطلب وجود تأمين أو أي ضمان مالي آخر لتعويض الأضرار البيئية، حيث قررت اتفاقية لوجانو بأن وجود ضمان مالي يعد من قبيل الشرط الإجباري، ويترك تحديد هذا الضمان للقوانين الداخلية للدول الأعضاء في الإتفاقية.
ولضمان تعويض المضرورين يأخذ إحدى الصورتين، إما عن طريق التأمين وهو ما نتطرق إليه في الفرع الأول أو عن طريق الصناديق التي تقدم تعويضات وهو ما نعرضه في الفرع الثاني.
الفرع الأول:
التأمين عن أضرار التلوث البيئي
يعرف عقد التأمين وفقا لنص المادة 619 ق م ج بأنه :"عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه، أن يؤدي للمؤمن له أو إلى المستفيد الذي أشترط التأمين لصالحه مبلغ من المال أو إيراد أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن".
ونشير للتقسيمات الخاصة بالتأمين سواء من حيث عملية التأمين، بحيث يتم تقسيم التأمين طبقا للفن المتبع في إدارة نظامه، ومن ناحية ثانية من حيث عقد التأمين  الذي تنشأ بمقتضاه حقوق والتزامات المؤمن والمؤمن له يمكن تقسيم التأمين من حيث المحل أو الموضوع.
فبالنسبة للتأمين من الناحية الفنية، أي من حيث الشكل المتخذ في إدارة عملية التأمين ينقسم للتأمين بقسط ثابت، أي التأمين التجاري المتميز بثبات القسط كما تقوم به شركات تجارية ترمي لتحقيق الربح وتتحمل مسؤولية تغطية المخاطر بدون تضامن بين المشتركين.
أما التأمين التعاوني "التأمين بالإكتتاب" وفيه تتفق جماعة من الأشخاص على صرف مبالغ محددة لمن يقع له خطر معين يتعرضون له جميعا، ويتميز هذا النوع بالتضامن بين أعضائه، إذ أن كل منهم يعد المؤمن والمستأمن في نفس الوقت ويتغير القسط طبقا لعدد الحوادث التي تقع بالفعل خلال السنة.
وفيما يخص التقسيم الموضوعي للتأمين فيندرج تحته التأمين الاجتماعي والتأمين الخاص، التأمين البحري والجوي والبري وأخيرا التأمين عن الأضرار والتأمين عن الأشخاص، ويستند التأمين الاجتماعي لفكرة التضامن حيث يتعلق بحماية الطبقات الضعيفة ويكون إجباريا إذ تقوم الحكومة بتنظيمه ووضع أحكامه، أما بالنسبة للتأمين الخاص فهو إختياري يترك لحرية الإرادة، وتقوم به شركات رامية لتحقيق الربح.
أما النوع الثاني وهو التأمين البري والبحري والجوي بحيث يقوم التأمين البحري من أجل تغطية مخاطر النقل البحري بالنسبة للسفينة، وكذا البضائع التي تحملها ونفس الأمر بالنسبة للتأمين الجوي، أما فيما يخص التأمين البري فيغطي كافة المخاطر التي تخرج عن الأنواع السابقة سواء تعلقت بالأشياء أو الأشخاص .
وفيما يخص التأمين عن الأشخاص والتأمين عن المسؤولية، فيقصد بالأول أن التأمين يتعلق بشخص المؤمن له، حيث يتم تأمينه من الأخطار التي قد تهدد حياته وسلامته، بحيث يحصل على مبلغ من النقود في حالة تعرضه لأي من هذه المخاطر وينقسم لقسمين:
التأمين عن الحياة، ومن بين صوره التأمين في حالة الوفاة، بحيث يقوم المؤمن بدفع مبلغ من النقود في حالة الوفاة، والتأمين حال البقاء وفيه يدفع المؤمن مبلغ من النقود في حالة حياة المستأمن بعد سن معينة، والتأمين المختلط الذي يشمل كليهما .
والتأمين من الإصابات ويقصد به تأمين الإنسان من الحوادث الماسة بسلامة جسمه وكذا الأمراض .
أما التأمين عن الأضرار فهو تأمين المؤمن له عن الخسارة التي تصيب ذمته المالية هذا ويشتمل على التأمين عن الأشياء أي تعويض المؤمن له عن الخسارة التي تلحق بالشيء كالتأمين ضد الحريق أو موت الماشية، وتأمين المسؤولية والغرض منه هو تعويض المؤمن له عن المبالغ التي يدفعها للغير في حالة تحقق مسؤوليته، ويغطي تأمين المسؤولية الخسارة التي تلحق المؤمن له، بسبب ما يدفعه للمضرور من تعويض.
وتعرف حادثة التلوث بغرض التأمين ضد الأخطار الناجمة عنه في وثيقة التأمين ضد مخاطر المساس بالبيئة التي صدرت عن تجمع تأمين التلوث "Assurpol" بأنها:"انبعاث   أو صدور أو خروج أو تسرب أية ملوثات سواء كانت في صورة صلبة أو سائلة أو غازية أو حرارية أو مواد مثيرة للتهيج والحساسية أو ملوثات بصورة مباشرة من موقع المؤمن عليه في أو على الأرض أو الجو أو أية مجاري أو مسطحات مائية بشرط أن يكون التسرب أو الانبعاث أو الخروج متسببا في ضرر بالبيئة ويعتبر كامل هذا التسرب سواء كان مفاجئا أو متدرجا من موقع المؤمن عليه حادثة تلوث واحدة".
ويعد التأمين ضد خطر التلوث متصلا بصفة مباشرة أو غير مباشرة بغالبية أنواع التأمين، ونلمس ذلك في التأمين عن الأشياء، فإن التغطية التأمينية تشمل كذلك خسائر الممتلكات الناشئة عن التلوث البيئي، ومثال ذلك الضرر الذي يلحق الماكنات بسبب تلوث المياه أو الغازات الضارة بالأتربة...الخ، وكذلك في مجال التأمين عن الحياة، بما يلحق الصحة العامة خاصة في المدن من تلوث الهواء والمياه إلا أنه لا يمكن للمؤمن أن يرجع هذا المرض للتلوث البيئي، بحيث تكون الأسباب في غالبية الأحيان مبهمة وغير واضحة.
ونتساءل في هذا الصدد عن مدى قابلية أخطار التلوث للتأمين سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الفنية؟
إن خطر التلوث يجد أساسه في التدخل الإرادي للمستأمن، وهو ما دفع البعض للقول بعدم إمكانية تأمين مثل هذه الأخطار، وذلك لأنه تنتفي عنه صفة الإحتمال المشترط في الخطر القابل للتأمين، بما يدفع للتساؤل عن تأثير ذلك على جواز التأمين على هذه الأخطار قانونا؟
ذهب الفقيهان بيكار وبيسون لتعريف الخطر بأنه :"حدث غير محقق وغير متعلق بمحض إرادة المتعاقدين، خاصة المؤمن له" وعليه لكي تعد حادثة ما بأنها خطر يجوز التأمين عليها يجب أن يتوافر بها شرطان: الأول أن تكون الحادثة إحتمالية أي غير محققة الوقوع والثاني ألا يتوقف تحققها على محض إرادة أحد المتعاقدين وبالأخص المؤمن له لأن تعلق الحادث بإرادة أحدهما ينفي الصفة الاحتمالية .
وعليه لا يجوز أن يكون تحقق الخطر معلقا على إرادة المؤمن له، لأنه في هذه الحالة يستطيع تحقيق الخطر متى شاء، وبالتالي تكون الواقعة المؤمن عليها مؤكدة من حيث وقوعها، ولذلك قضى بعدم جواز تأمين الأخطاء العمدية للمؤمن له، لكن هل يجوز تأمين الحوادث الناشئة عن أخطاء المؤمن له غير العمدية، ومنها أخطار التلوث أم لا يجوز؟
إن المؤمن مسؤول عن كافة الأضرار الناشئة عن خطأ المؤمن له غير المتعمد سواء كان يسيرا أو جسيما، وهو ما ذهب إليه كل من الفقه الفرنسي والمصري، وحججهم في ذلك أنه هناك فرق بين الخطأ العمدي والخطأ الجسيم وهونية الفاعل .
بحيث يجوز التأمين عن الخطأ الجسيم بكونه لا يتعارض مع فكرة الخطر وطابع الاحتمال عكس الخطأ العمدي الذي لا يقبل التأمين، وفيما يتعلق بالأفعال المؤدية للتلوث حتى وإن كانت غير متعمدة إلا أنها قد تكون أقل إحتمالا كونها تخضع لتدخل ونشاط الإنسان الذي قد يكون خاضعا لإرادة المستأمن، وهو ما يقلل من حظه في التأمين من حيث قبول الملوث كمستأمن من طرف المؤمن، ولذلك فالمؤمنون الفرنسيين يرفضون تغطية خطر التلوث ما لم يكن عرضيا تماما أي وقع إحتماليا بصفة بحتة وكانت الواقعة وفقا لما حددتها محكمة النقض الفرنسية مفاجئة غير متوقعة ومستقلة عن إرادة المستأمن غير أن هذه الشروط منتقدة كونه ليس هناك ما يمنع من أن يكون خطر التلوث إحتماليا دون أن يكون عرضيا تماما أو مفاجئا، ومثال ذلك: أن ينتج التلوث وفقا لوقائع متدرجة وهو من أهم سمات التلوث، بحيث يقع بشكل تدريجي ولا تنكشف آثاره، إلا بعد مدة من الوقت وهو ما ينزع عنها كذلك صفة الفجائية، ونتيجة لذلك حدد المؤمنين الفرنسيين مفهوم الحادث بشيء من المرونة، مع التخلي على شرط الفجائية ما عدا ما كان مترتبا عن إرادة أحد المتعاقدين، وبالأخص المستأمنين .
أما من حيث قابلية أخطار التلوث للتأمين من الناحية الفنية، فكما هو معروف أن الشروط الفنية الواجب توافرها في الخطر هي أن يكون متواترا وموزعا ومتجانسا وفي الأخير أن يكون في الإمكان تحديد نتائج توقعه.
وبالنسبة للشرط الأول أن يكون الخطر متواترا أي أن يكون الخطر قابلا للتحقق بدرجة كافية تسمح لقوانين الإحصاء بأن تصل لتحديد درجة إحتماله حتى يمكن تحديد القسط الملائم لتغطية هذا الخطر ويتم ذلك بتوافر عدد كبير من المفردات التي تخضع لهذا الخطر وهو ما يسمى بقانون الأعداد الكبيرة.
ويترتب على إعمال هذا الشرط أنه لا يمكن تطبيقه على أخطار التلوث، كونه لا يمكن تطبيق قانون الأعداد الكبيرة لأنه يصعب تجميع أخطار التلوث في مجموعة واحدة كما يتعذر القيام بالإحصائيات الخاصة بالخطر البيئي، وفي حالة قبول شركات التأمين التأمين عنه فحتما سيتطلب مبالغ ضخمة جدا وهو ما يفسر إحجام المستأمنين عن تأمين هذه الأخطار.
والشرط الثاني هو أن يكون الخطر موزعا، أي يكون الخطر منتشرا على نطاق واسع بما لا يؤدي تحققه لوقوع كارثة بمعنى أن الخطر لا يجب أن يصيب الأشخاص في وقت واحد، لأنه في حالة تحقق الخطر وإصابته لجميع المؤمن لهم أو بعضهم، يصبح من المستحيل إجراء المقاصة بين المخاطر، وهو أساس فني من أسس التأمين.
 فهل يتوافر هذا الشرط في أخطار التلوث البيئي؟
من الناحية الفنية لاتعد أخطار التلوث من العمومية بحيث يمكن القول بأنه يصعب فنيا تغطيتها، وإنما الصعوبة تكمن في حجم التعويضات التي يمكن أن تستثيرها هذه المسؤولية بما تتميز به من ضخامة، وإن كان يمكن التغلب على ذلك عن طريق وضع حد معين للتأمين أو عن طريق إعادة التأمين .
وبالإضافة لما سبق فأخطار التلوث تكون غير معروفة الحجم مسبقا ولو بشكل تقريبي، فتعجز الشركات على إجراء المجانسة بين ما تستطيع جمعه منها، في حين أن وجوب أن تكون الأخطار متجانسة يعد شرط فني ضروري لعملية التأمين .
وآخر هذه الشروط هو أن يكون الخطر من الممكن تحديد نتائج توقعه أي يستطيع المؤمن أن يقوم بحساب إحتمالات وقوعه وفرص تحققه، ويتم ذلك عن طريق قواعد الإحصاء، ولكن لا يعطي نتائج دقيقة إلا بإشتماله لأعداد كبيرة من المخاطر المتواترة الحدوث  .
نخلص أن أخطار التلوث تستجيب من حيث المبدأ للأسس الفنية للتأمين وإن كانت تحتاج لتطويع وتطوير في هذه الشروط حتى تتلاءم وخصوصيته هذا النوع من الأخطار.
ومن الأفضل أن يكون التأمين عن أخطار التلوث البيئي إجباريا لأنه يقدم بعض المزايا من ذلك ضمان تعويض المضرور وحمايته من خطر إعسار المسؤول عن الضرر كما يسهل للقاضي الحكم بإلزام المسؤول بتعويض المضرور وقبول مقدار التعويض مهما كان لأنه هناك شخص ميسور الذمة المالية، بالإضافة لذلك في حالة التأمين غير الإجباري، فالغالبية من الشركات المتسببة في التلوث ستفضل توفير المبالغ التي قد تدفعها لشركات التأمين بما يؤدي لإلحاق أضرار بالغة بالبيئة
الفرع الثاني:
التعويض بواسطة الصناديق
يهدف إنشاء الصناديق لتعويض الأضرار البيئية تعويض المتضرر من ذالك، في حالة عدم حصوله على تعويض، كما أنها تهدف لتوزيع المخاطر الصناعية على مجموع الممارسين للأنشطة المتسببة في التلوث، ولا تتدخل إلا بصفة تكميلية أو إحتياطية لكل من نظامي المسؤولية المدنية والتأمين، وتتحمل كافة أضرار التلوث في حالة عدم وجود تأمين إجباري، وهو ما يتسبب في إفلاسها في أسرع وقت نظرا لضخامة الخسائر التي تترتب عن التلوث البيئي.
وقد أقر القانون الياباني المتعلق بالتعويض عن الأضرار الجسدية الناجمة عن التلوث مبدأ المطالبة بالتعويض من صناديق التعويضات سواء كان مصدر التلوث معلوم أو مجهول، وهو كذلك ما ذهب إليه القانون الهولندي المتعلق بتلوث الهواء، مقابل ضريبة يتم تحصيلها من طرف الملوثين المحتملين تختلف قيمتها حسب طبيعة وقيمة مصدر التلوث .
وتتدخل هذه الصناديق في الحالة التي تتجاوز فيها قيمة الأضرار الناجمة عن التلوث الحد الأقصى للتأمين المحدد بموجب العقد، وذلك لأنها تهدف لتعويض المضرور تعويضا كاملا، كما أنه في حالة ما إذا كان هناك تحديد لمبلغ التعويض بحيث لا يتم تجاوزه، وذلك ما تطرقت إليه إتفاقية لوجانو، بإحالة تحديد الحد الأقصى للتعويض للتشريعات الداخلية، حيث أنه بتطبيق هذا المبدأ سيتحمل المضرور الجزء المتبقي من الخسارة لأن المسؤول غير معني إلا بما هو محدد له، كما تسمح فكرة تبني صناديق التعويضات بتجنب البطىء في التقاضي، لأن المتضرر يصبح معفيا من إثبات يسر الملوث، لوجود شخص موسر دائما وهو الصندوق، كما يتدخل في حالة عدم تحديد الشخص المسؤول أو عندما تثار أحد أسباب الإعفاء من المسؤولية، فيتدخل بصفة إحتياطية لضمان حق المضرور الذي يتعين عليه مطالبة الملوث المسؤول أولا، ويعفى من هذا الإجراء في حالة ما إذ كان المسؤول مجهولا، وفي حالة إعسار المسؤول أو كونه غير مؤمن، أو توافرت إحدى حالات الإعفاء من المسؤولية للمتضرر اللجوء مباشرة للصندوق.
ومن الناحية العملية إذ كان مايقدمه الملوث الاحتمالي للصندوق من مساهمات أقل مما يتحمله كتعويض في حالة عدم وجود مثل هذه الصناديق فإنه سيرحب بإنشائها والعكس صحيح.
ويثير هذا النظام التساؤل فيما يتعلق بمن يقوم بإدارتها، فيما إذا كان يعهد به لشخص من أشخاص القانون الخاص أو يترك للدولة؟
إذا كانت الصناديق تتعلق بنشاط مهني معين وتتدخل في حالة الأضرار البيئية غير الضخمة، ففي هذه الحالة يعهد بإدارة الصندوق لأحد أشخاص القانون الخاص ويفترض في هذه الصناديق وجود تضامن بين الممارسين لأنشطة مهنية متماثلة لضمان تعويض المتضررين من مثل هذه الأنشطة وفقا لحجمها وطبيعتها .   
وبالمقابل فإن تولي الدولة لإدارة هذه الصناديق يجد تبريره في حالة الكوارث البيئية، التي تترتب عنها أضرار جسيمة بالبيئة لأنه قد تعجز الصناديق عن تغطية كل هذه الأضرار، وعليه تقترح بعض الحلول إذ يمكن أن يحدد حدا أقصى من التعويض تتحمله هذه الصناديق، وما يفوقه تتحمله الدولة، أو أن تتدخل الدولة مباشرة لتعويض ضحايا التلوث مقابل قسط تقوم بسداده صناديق التعويضات المعهود بها أصلا للتدخل في مثل هذه الحالات.
وعندما يحدد الصندوق حدا أقصى يغطيه، وتتجاوز الأضرار هذا الحد ففي هذه الحالة يمكن أن توضع أولويات للتعويض بحيث تصنف الأضرار الجسدية في المرتبة الأولى، وتليها في المرتبة الثانية الأضرار المادية وكذا البيئية.
وبالنسبة لتمويل الصندوق نجد أن الصندوق الهولندي المنشأ في سنة 1972 والمتعلق بتعويض المضرورين من تلوث الهواء يمول بموجب ضريبة تفرض على الأنشطة مصدر التلوث، ويدار عن طريق وزارة الصحة الهولندية، وفي السويد تفرض على الأنشطة التي قد تضر بالبيئة رسوم وفقا لطبيعة وحجم المنشأة، وتودع في صندوق يتولى تعويض الأضرار التي تصيب الأشخاص، دون الأضرار التي تصيب البيئة، وهو منتقد من هذه الناحية، والصندوق "super fund" المنشأ بالقانون الأمريكي "CERCLA" الصادر في 1980 والمتعلق بتعويض المضرورين من جراء الأنشطة البيئية الخطرة بحيث يتم تمويله بضريبة تفرض على الشركات الملوثة وبخاصة الشركات البترولية والمواد الكيماوية، وكذا عن طريق رسم عام ضد التلوث مفروض على كل الشركات.
وفيما يتعلق بالقانون المصري فإن قانون البيئة قد أنشأ بموجب المادة 14 منه صندوق لحماية البيئة، حيث نصت على أنه :" ينشأ بجهاز شؤون البيئة صندوق خاص يسمي صندوق حماية البيئة تؤول إليه:
أ‌-         المبالغ التي تخصصها الدولة في موازنتها لدعم الصندوق.
ب‌-      الإعانات والهبات المقدمة من الهيئات الوطنية والأجنبية لأغراض حماية البيئة وتنميتها والتي يقبلها مجلس إدارة الجهاز.
ت‌-      الغرامات التي يحكم بها، والتعويضات التي يحكم بها أو يتفق عليها عن الأضرار التي تصيب البيئة.
ث‌-      موارد صندوق المحميات المنصوص عليها في القانون رقم 102 لسنة   1983".
وبالإضافة للموارد التي حددتها المادة 14 من قانون البيئة، نصت المادة 07 من اللائحة التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 338 لسنة 1995 على الموارد التالية:
1-       ما يخص جهاز شؤون البيئة من نسبة 25% من حصيلة الرسوم المقرر على تذاكر السفر التي تصدر عن مصر بالعملة الصعبة المصرية طبقا للمادة الأولى من قانون رقم 5 لسنة 1986، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 697 لسنة 1986 وبحد أدنى 12.5من إجمالي حصيلة الرسوم المشار إليها.
2-  عائد المشروعات التجريبية التي يقوم بها الجهاز.
3-  مقابل ما يؤديه الجهاز من خدمات للغير بأجر.
4-  رسوم التراخيص التي يصدرها الجهاز.
وأضافت المادة السابقة من اللائحة التنفيذية، بأن تودع في الصندوق على سبيل الأمانة المبالغ التي تحصل بصفة مؤقتة تحت حساب الغرامات والتعويضات عن الأضرار التي تصيب البيئة .
أما بالنسبة للمادة الثامنة من اللائحة التنفيذية فقد حددت الحالات التي يتدخل فيها الصندوق وهي:
-     مواجهة الكوارث البيئية .
-     المشروعات التجريبية والرائدة في مجال حماية الثروات الطبيعية وحماية البيئة من التلوث  .
-     نقل التقنيات ذات التكلفة المنخفضة التي ثبت تطبيقها بنجاح .
-     إنشاء وتشغيل شبكات الرصد البيئي  .
-     إنشاء وإدارة المحميات الطبيعية بهدف المحافظة على الثروات والموارد الطبيعية .
-     مواجهة التلوث غير المعلوم  .
-     تمويل الدراسات اللازمة لإعداد البرامج البيئية، وتقييم التأثير البيئي ووضع المعادلات والمعايير المطلوبة الالتزام بها للمحافظة على البيئة.
-     المشاركة في تمويل مشروعات حماية البيئة التي تقوم بها الإدارة المحلية والجمعيات الأهلية ويتوافر لها جزء من التمويل من خلال المشاركة الشعبية.
-     مشروعات مكافحة التلوث  .
-     صرف المكافآت على الإنجازات المتميزة عن الجهود التي تبذل في مجال البيئة.
-     دعم البنية الأساسية للجهاز وتطوير أنشطته  .
أما بخصوص الصندوق الوطني الجزائري للبيئة، فيعتبر حساب خاص للخزينة تتصرف فيه الوزارة المكلفة بالبيئة، وهذا ما ورد في قانون المالية لسنة 1992 رقم 91/25 المؤرخ في 18-11-1991 بحيث يتم الحصول على موارد الرسم من النشاطات الملوثة والخطيرة، الهبات والتبرعات الوطنية والدولية، التعويضات بعنوان المصاريف الموجهة لمحاربة التلوث.
أما مجال تدخله فيتمثل في نشاط مراقبة التلوث، الدراسات والبحوث والتدخلات المستعجلة، الإعلام والتوعية والتعليم والإعانات للجمعيات ذات المنفعة العامة.
ولا يمكن للصندوق أن يقترض أو ينمح قروضا لأن مجال نشاطه محدود وقليل الفعالية لأن مصدر الموارد ومستواه مقيد،وكون أن الرسم شبه الجبائي الممول للصندوق لا يتلاءم تماما مع مبدأ الملوث الدافع، إذ يرتكز على طبيعة المنشأة المصنفة وليس على درجات التلوث والأضرار الناتجة عن هذا التلوث.
  وعليه لا بد من إعادة تطوير الصندوق بما يخلق مجالا للتدخل وفقا للحالات السابقة الإشارة إليها، حتى يضمن فعالية لتعويض أضرار التلوث البيئي، سواء تلك التي تصيب الأموال والأشخاص أو تلك التي تصيب البيئة في حد ذاتها.



الهــوامـش:
1-  رمضان أبو السعود،النظرية العامة للالتزام ،مصادر الالتزام،دار المطبوعات الجامعية،الإسكندرية،2000 ص 393.
2-  أنظر عبدالرزاق السنهوري، مصادر الالتزام. الوسيط في شرح القانون المدنيالجديدج1،مجلد2،ط3،منشورات الحلبي الحقوقية،لبنان ص .1092ص 1093.
3-  المستشار محمد أحمد عابدين، التعويض بين الضرر المادي و الأدبي الموروث، منشاة المعارف،الإسكندرية،2000، ص 159.
4-  أنظر ماهر محمد المومني، الحماية القانونية للبيئة في المملكة العربية الهاشمية .وزارة الثقافة، عمان، 2004 ،ص 205.
5-  علي علي سليمان، دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري. ط3، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994،ص205 .ص 206.
6-  نفس المرجع، ص 206. ص207.
7-  سعيد السيد قنديل، آليات تعويض الأضرار البيئية. دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2004، ص 17.
8-  نفس المرجع ص 18 ص 19.
9-  نفس المرجع، ص 21.
10-نفس المرجع ،ص 22.ص 23.
11-محسن عبد الحميد البيه، المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية،كلية الحقوق،جامعة المنصورة، ص 112.
12-سعيد السيد قنديل، مرجع سابق، ص 30.
13-نفس المرجع ،ص 34.
14-محمد صبري السعدي، شرح القانون المدني الجزائري ،ج2،مصادر الالتزام الواقعة القانونية، دار الهدى ،الجزائر ،2004.  ص 158.
15-نصت المادة 182 مكرر بأنه :"يشمل التعويض عن الضرر المعنوي كل مساس بالحرية أو الشرف أو السمعة".
16-عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق ،ص 1094.
17-منذر الفضل،النظرية العامة للالتزامات،ج1،مصادر الالتزام،مكتبة دار الثقافة ،الاردن،1996 ، ص 429.
18-رمضان أبو السعود، مرجع سابق، ص 395.
19-محسن عبد الحميد البيه، مرجع سابق، ص 91.
20-سعيد السيد قنديل، مرجع سابق، ص39. ص40.
21-نفس المرجع، ص 42.
22-عبد الكريم سلامة، قانون حماية البيئة. ط1،مطابع جامعة الملك سعود،الرياض،1997،ص 434.
23-أحمد شرف الدين ،أحكام التأمين .ط 3 ،طبعة نادي القضاة، مصر، 1991، ص20 .ص 21.
24-محمد حسين منصور، مبادئ قانون التأمين. دار الجامعة الجديدة للنشر ،مصر، (د.ت)،ص 27. ص 28.
25-نفس المرجع ،ص 28.
26-أحمد شرف  الدين، مرجع سابق، ص 25.
27-نبيلة إسماعيل رسلان ،التأمين ضد أخطار التلوث. دار النهضة العربية، القاهرة، 2003 ص12.
28-نفس المرجع، ص 13. ص 14.
29-محمد شرعان، الخطر في عقد التأمين. منشاة المعارف، الإسكندرية، 1984، ص86.
30-نفس المرجع، ص 88.
31-نبيلة إسماعيل رسلان، مرجع سابق ،ص 24.
32-نفس المرجع، ص 25 .ص 27.
33-رمضان أبو السعود، أصول التأمين. ط 2، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية ،2000 ،ص 326.
34-نبيلة إسماعيل رسلان، مرجع سابق ،ص 29.
35-رمضان أبو السعود، أصول التأمين، ص328.
36-نبيلة إسماعيل رسلان، مرجع سابق ،ص34.
37-نفس المرجع، ص 31.
38-للمزيد من المعلومات حول شروط الخطر الخاضع للتأمين، أنظر رمضان أبو السعود ،أصول التأمين. ص 329.
39-نفس المرجع، ص 34 .ص 35.
40-سعيد السيد قنديل، مرجع سابق ، ص .99.
41-نفس المرجع ،ص. 105 ص 106.
42-نفس المرجع، ص .106 ص 108.
43-نفس المرجع ،ص. 109.
44-نفس المرجع، ص.112.
45-محسن عبد الحميد البيه، مرجع سابق، ص. 123.
46-نفس المرجع، ص. 124.
47-سعيد السيد قنديل، مرجع سابق، ص. 18.
48-أحمد ملحة، مرجع سابق، ص. 18.
49-مجلة الجزائرالبيئة، عدد 2 ،كتابة الدولة المكلفة بالبيئة،1994 ، ص .12.

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019