-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

محاضرات في تاريخ النظم القانونية الجزء5

محاضرات في  تاريخ النظم القانونية الجزء4

الشرائع السامية
9   تمهيد
تعدد الشرائع :
إن المنطقة التي يطلق عليها حالياً الوطن العربي شهدت أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية، وفيها ظهرت أقدم الشرائع القانونية ويطلق على كل الشرائع التي سادت تلك المنطقة اسم الشرائع السامية نسبة إلى الساميين وهم الأشخاص الذين يتحدثون اللغات السامية بفروعها المختلفة وقد هاجروا على أثر ظروف مناخية من مواطنهم إلى وادي النيل وبلاد الشام والعراق.
ولن نعرض لدراسة كل الشرائع السامية السابقة على الإسلام بل سنقتصر على أهمها، وهي الشرائع التي سادت في بلاد ما بين النهرين وفي مصر، وشريعة اليهود، ذلك أن الشرائع السامية الأخرى التي ظهرت في منطقة الوطن العربي رغم أن لكل منها ذاتيتها المستقلة إلا أنها تأثرت إلى حد كبير بالشريعتين الكبيرتين: بابل ومصر، فضلاً عن أن الوثائق الخاصة ببعضها، مثل شريعة فينيقيا لم تكتمل دراستها وترجمتها بعد.
9  تقسيم :
سنخصص باباً لدراسة الشريعة التي ظهرت في مصر الفرعونية ونتبعه بآخر عن شريعة بابل وأشور في بلاد ما بين النهرين ونختتم هذه الدراسة بباب ثالث عن شريعة اليهود ونقدم لكل ذلك بمبحث عن ظهور الشرائع السامية القديمة وأهميتها.
أهمية دراسة الشرائع السامية القديمة:
بدأت تحتل دراسة الشرائع السامية القديمة مكانة هامة بين دراسات تاريخ القانون في الجامعات الأوربية منذ أوائل القرن العشرين وذلك أن فهم القانوني الروماني – وفهمه ضروري  لمعرفة القانون الحديث الذي اعتمد على القانون الروماني – يقتضي معرفة الشرائع السامية بعد ما تبين أن كثيراً من نظم القانون الروماني قد تأثرت بالشرائع السامية ليس فقط في عهد جستنيان بل منذ أقدم العصور.
9   ومن المسلم الآن أن كثيراً من نظم الشرائع السامية تبناها جستنيان حينما أصدر مجموعاته الشهيرة في القرن السادس الميلادي. ومن المعروف أن قانون نابليون الذي صدر في بداية القرن التاسع عشر اعتمد بصفة أساسية على مجموعات جستنيان، وأن كثيراً من البلاد، ومن بينها البلاد العربية، قد نقلت عن قانون نابليون. ومن المعروف أيضاً أن الشريعة الإسلامية تبنت بعض النظم القانونية التي سادت الجزيرة العربية قبل الإسلام، وهي نظم سامية. وبالنظر إلى أن كلا من الشريعة الإسلامية وقانون نابليون يكونان مصدرين تاريخيين رئيسيين لمعظم القوانين السائدة الآن في الوطن العربي، فإن للشرائع السامية القديمة صلة غير مباشرة بقوانيننا المعاصرة سواء عن طريق قانون نابليون أم عن طريق الشريعة الإسلامية. ولذلك يمكن القول بأن قانوننا المعاصر في العالم العربي يعتبر ثمرة تطور غير مباشر للشرائع السامية التي سادت العالم العربي في العصور القديمة.
وبالإضافة إلى هذه الفائدة العملية لدراسة الشرائع السامية القديمة فإن دراستها واجبة علينا باعتبارها تمثل جزءًا من تراثنا الثقافي الأصيل. ونحن أولى بالاهتمام بها من الجامعات الأوربية.
أولاً : القانون الفرعوني
القانون الفرعوني هو القانون الذي كان مطبقا في مصر في العصر الفرعوني ابتداء من عام 3200 ق.م حتى عام 332 ق.م.
ومصادر معلوماتنا عن القانون الفرعوني – كما سبق القول – قليلة بالمقارنة بمصادر القانون في بابل. ورغم قلتها فهي كافية لبيان المعالم الرئيسية للقانون الفرعوني.
تقسيم عصور تاريخ القانون الفرعوني :
الكثرة الغالبة من العلماء يقسمون تاريخ القانون الفرعوني إلى ثلاثة عصور، كل عصر منها يمثل دورة كاملة، وكل دورة تنقسم إلى مرحلتين متميزتين: مرحلة تزدهر فيها المدنية وتقوى فيها السلطة المركزية وتنشط التجارة وتسودها النزعة الفردية، ثم تعقبها مرحلة ثانية تضمحل فيها المدنية وتتجزأ وحدة البلاد وتتحول إلى إمارات شبه مستقلة يسودها النظام الإقطاعي.
طريقة دراسة القانون الفرعوني:
ترتب على تطور القانون الفرعوني في صورة دورات استحالة تتبع النظم القانونية وما لحقها من تطور خلال الثلاثين قرناً التي عاشها القانون الفرعوني. ذلك أنه بمجرد الانتهاء من دراسة النظم القانونية في الدورة الأولى نكون في واقع الأمر قد انتهينا من دراسة الأسس العامة التي يقوم عليها القانون الفرعوني، لأن الدورتين التاليتين هما تكرار لنظم الدورة الأولى.
لذا سنقتصر على دراسة النظم في الدورة الأولى سواء بالنسبة لنظم القانون العام أم نظم القانون الخاص أم نظم العقوبات.
تشمل هذه الدورة مرحلتين أولاهما تبدأ بحكم الملك مينا، وقد ازدهرت المدنية في عهد الأسرتين الثالثة والرابعة، وتنتهي هذه المرحلة ببداية انحلال الحضارة الفرعونية منذ حكم الأسرة الخامسة. وحين تبدأ المرحلة الثانية وتستمر حتى نهاية حكم الأسرة العاشرة وبداية عصر الدولة الوسطى (2134 ق.م). وتميزت أولاهما بالنزعة الفردية والمساواة أمام القانون ووحدة السلطة المركزية. وتتميز ثانيتهما بانتشار النظام الإقطاعي وانهيار السلطة المركزية وتحول الأقاليم إلى إمارات مستقلة عن بعضها.






1- نظم القانون العام :
وتشمل :-
أولاً : نظام الحكم :
ملامح نظام الحكم في مصر الفرعونية :
1-  نظام الحكم في مصر الفرعونية بنظام الدورات وإن كان قد أخذ فيها طابعاً خاصاً لأن تتابع الدورات وحلقات كل دورة منها كان يتم في إطار الحكم الملكي حتى نهاية العصر الفرعوني فلم تعرف مصر الفرعونية نظام الحكم الجمهوري. وفي الدورة الأولى بدأ الحكم بحكم ملكي مطلق أعقبه منذ الأسرة الخامسة حكم أقلية؛ إذ تقاسم الأشراف من الكهنة والنبلاء السلطة مع الملوك وانتهى بقيام ثورة شعبية قضت على حكم الأقلية وحققت المساواة بين الناس وقامت الديمقراطية في ظل حكم ملكي ضعيف وعمت الفوضى مما مهد لقيام الأسرة الحادية عشرة التي أعادت للبلاد وحدتها واستتب فيها النظام وتركزت السلطة في يد الملك وبدأنا دورة جديدة.
2-  إن فكرة الدولة بمعناها السياسي المعاصر – كشخصية معنوية لها كيانها الذاتي ودوامها بصرف النظر عن تغير حكامها وتغير الأفراد المكونين لها – فكرة حديثة استنبطها الفقه الدستوري الحديث، وكانت بعيدة عن تصور المجتمعات القديمة التي كانت تجهل فكرة الدولة كشخصية معنوية.

المرحلة الأولى (الحكم الإلهي المطلق) :
أولاً : الملك المؤله:
تميز نظام الحكم في مصر الفرعونية – طيلة العصر الفرعوني – بنظام الحكم الملكي القائم على فكرة ألوهية الملك. وقد تبنى الملوك البطالسة والحكام الرومان في مصر ذات الفكرة فيما بعد. فنظام الحكم في مصر ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات الدينية التي تعتبر فرعون مصر إلهاً بين البشر.

نتائج ألوهية الملك :
ترتب على فكرة ألوهية الفرعون عدة نتائج أهمها :
1- عبادة الملك :
كان الملك إلهاً معبوداً تؤدى لعبادته الشعائر الدينية، ولذلك خصصت له المعابد حال حياته وبعد مماته وانتقاله إلى مملكة السماء مع أجداده الآلهة.
2- السيادة للملك:
أن السيادة في الدولة المصرية ليست للشعب، بل للملك الذي يستمدها من أجداده الآلهة، وبعد وفاته يودع ابنه السلطة، عدم اشتراك المصريين في السلطة وعدم محاسبة الملك عن أعماله لأن أجداده الآلهة هي وحدها التي تحاسبه عن ذلك.
3- أرض مصر ملك للملك:
تعتبر أرض مصر كلها ملكاً له كإرث من أجداده الآلهة. إلا أن الوثائق تدل على وجود الملكية الفردية، رقبة ومنفعة.
4- اندماج شخصية الدولة في شخص الملك:
فأصبحت في يده كل السلطات الدينية والزمنية سواء في ذلك السلطة التشريعية أم التنفيذية أم القضائية.
أ- فكلمته هي القانون، وهو وحده الذي يستطيع أن يعطي التفسير الذي يراه لأية قاعدة قانونية. ولذلك لم يعرف المصريون نظام المجالس الشعبية ولا المجالس النيابية، لأنهم ليسوا أصحاب السيادة ولا حتى مجرد شركاء في السلطة.
ب- والحال كذلك بالنسبة للسلطة التنفيذية، فقد اندمجت الدولة في شخص الملك. فالموظفون لا يعتبرون أعضاء في جهاز الدولة ولا يستمدون سلطتهم واختصاصاتهم من القانون بل هم عمال للملك لا يتمتعون بأية سلطة ذاتية ويستمدون سلطتهم واختصاصاتهم من الملك ويحملون أوامره وتعليماته إلى الرعية ويحيطونه علماً برغبات هؤلاء. وهم مسئولون أمامه وحده، فهو الذي يعينهم ويرقيهم وينقلهم ويعزلهم.
جـ - وكان الملك وحده هو الذي يتولى سلطة القضاء بنفسه أو يعهد بها إلى قضاة ينوبون عنه ويحكمون باسمه.
ثانيا : دولة مدنية وقانونية:
أ – دولة حديثة :
بالرغم من قيام سلطة الفرعون على أسس دينية باعتباره إلهاً فإن الدولة لم تكن حتى نهاية الأسرة الرابعة دولة دينية بل دولة مدنية، تنفصل فيها السلطة الزمنية عن الدينية، وداخل السلطة الزمنية تنفصل السلطة المدنية عن السلطة العسكرية. فالوثائق تدل على أن رجال الدين كانوا لا يشغلون أي منصب في السلطة الزمنية وأن العسكريين كانوا لا يشغلون أي منصب مدني.
ب– دولة قانونية :
وهذه الدولة المدنية دولة قانونية يخضع فيها الجميع – بما فيهم الفرعون – للقانون ويتساوون أمامه. ولذلك كان الفرعون يأخذ على القضاة عهداً يتضمن احترامهم للقانون بل وعدم طاعة الفرعون إذا أصدر لهم أمراً يخالف القانون. ولذلك تميزت هذه المرحلة بتقرير المساواة أمام القانون بين جميع المصريين دون تمييز بينهم بسبب المولد أو الوظيفة.

المرحلة الثانية (حكم الأقلية)
تحولت الدولة إلى دولة دينية وتمتع بعض الناس ببعض امتيازات وراثية، فتكونت طبقة الأشراف التي اقتسمت السلطة مع الملك وظهر النظام الإقطاعي الذي انتهى باستقلال حكام الأقاليم بها وتفكك وحدة البلاد رغم بقاء الملك على رأس الدولة.
1- تحول الدولة إلى دولة دينية:
أ- مظاهر المكانة الممتازة التي تصنع بها رجال الدين:
اكتسب رجال الدين مكانة ممتازة في المجتمع فتحولت الدولة المصرية إلى دولة دينية. فقد جرى الملوك على منحهم عدة امتيازات تنتقل إلى ورثتهم من الناحية الفعلية ثم أصبحت تنتقل إلى الورثة بقوة القانون ومنها:
Û امتياز حمل الألقاب الشرفية، والامتياز الديني وهو عبارة عن منحهم صفة الإيماخ، أي التابع أو المقرب. وهذه الصفة تجعله يرتبط بالملك بعهد ولاء يلزمه حال حياته بإحياء الشعائر الخاصة بعبادة الملك، وفي مقابل ذلك يتمتع ببعض الحقوق منها حقه في أن يدفن بالقرب من المقبرة الملكية، ومن ثم يشاطره صفة الخلود التي كانت قبل ذلك مقصوراً على الملك وحده. فارتفع هؤلاء الايماخو عن مصاف بقية أفراد الشعب واقتربوا من مرتبة الألوهية الملكية.
Û إن التمتع بصفة الخلود يقتضي الاستمرار في تقديم قرابين وأداء شعائر دينية للميت في مقبرته. ولذلك أقطعهم الملك أراضي زراعية يخصص دخلها للإنفاق على هذه المقابر، وهذه الأرض محبوسة عن التداول لأنها مخصصة لخدمة المقابر والشعائر الدينية.
Û وفضلاً عن ذلك منحهم الملك حق الانتفاع حال حياتهم ببعض الأراضي.
Û كما  أنهم أصبحوا لا يخضعون للقضاء العادي بل لمحكمة خاصة مكونة من الأشراف برئاسة الملك.
وتقرر أيضاً توريث الوظائف الكهنوتية إلى الورثة. وامتد مبدأ توريث الوظائف إلى بقية الوظائف المدنية فأصبحت هي  الأخرى وراثية ومن بينها وظائف حكام الأقاليم.
ب- مظاهر تحول الدولة من جولة مدنية إلى دولة دينية:
وكان من أهم نتائج هذا التطور اختلاط الوظائف الدينية بالوظائف المدنية وجمع الشخص الواحد بين يديه أكثر من وظيفة بعضها له طابع ديني وبعضها الآخر من طبيعة مدنية، الأمر الذي ترتب عليه أن أصبحت كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث تحت إشراف أحد الآلهة وبذلك أصبح كل الموظفين من الكهنة، وكل الكهنة من الموظفين.
وهكذا تكونت طبقة من الأشراف داخل المجتمع المصري تحتكر أهم المناصب في الدولة وتحوز معظم الأراضي.



2- ظهور النظام الإقطاعي:
ترتب على تقرير مبدأ توارث الوظائف والألقاب والأراضي الممنوحة أن تحول المجتمع المصري إلى مجتمع إقطاعي ينقسم إلى طبقات متدرجة شبيهة بالهرم بحيث يخضع أفراد كل طبقة للطبقة التي تعلوها حتى تصل إلى الملك في قمة الهرم. وأصبح مركز الشخص القانوني يتحدد تبعاً للطبقة التي ينتمي إليها. وهو لا يستطيع الانتقال من طبقة إلى أخرى، بل يتحدد مركزه على وجه التأبيد منذ ولادته داخل طبقة معينة. وعلى رأس المجتمع نجد طبقة الأشراف من أمراء البيت المالك وكبار الموظفين الكهنة وكلهم من الايماخو. وفي أدنى درجات السلم الاجتماعي نجد طبقة أنصاف الأحرار، وهي تتكون من الفلاحين والعمال والمستخدمين الذين يعيشون داخل حدود الإقطاعية.
وكل إقطاعية كانت تكون وحدة اقتصادية مقفلة بحيث تكفي نفسها بنفسها ويقيم فيها العدد الكافي من الزراع والعمال والمستخدمين. وقد نظمت تنظيماً إدارياً على غرار إدارات الدولة. ذلك أن الشريف صاحب الإقطاعية حل محل الدولة في ممارسة سلطاتها داخل إقطاعيته وامتنع على موظفي الدولة دخولها، فأصبحت دويلة داخل الدولة يمارس فيها الشريف سلطاته باعتباره سيداً وأصبح المقيمون بها رعايا له هو.  وكان الشريف يمارس داخل إقطاعيته حقوقاً هي في الأصل من اختصاصات السلطة العامة منها: حق جباية الضرائب، وله ولاية القضاء في الخصومات التي تثور بين المقيمين في إقطاعيته وحق تأديبهم، ومن صور التأديب ضربهم بالعصا، وله أيضا حق تجنيدهم وتكوين جيش خاص به. وبالرغم من هذه السلطات ما زال الشريف خاضعاً للملك عن طريق عهد الولاء الذي يربطه به فهو تابع له ويستمد سلطاته من عهد الولاء الصادر إليه من الملك.
3- استقلال حكام الأقاليم بها وتحولها إلى إمارات:
وتبدو مظاهر استقلال أمراء  الأقاليم بحكمها فيما كانوا يمارسونه من سلطات بها وأهمها:
               ‌أ.     تجمعت كل السلطات الدينية والمدنية والعسكرية في يد أمير الإقليم فهو بصفته كبيراً لكهنة العبادة الملكية وبصفته على رأس هيئة الكهنة لعبادة الإله.
            ‌ب.     وضع يده على كل الموارد المالية التي كانت مخصصة لعبادة الملك أو لمعابد الآلهة المحلية.
            ‌ج.     يتولى فرض وجباية الضرائب والتكليف بأعمال السخرة داخل إقطاعات هذه المعابد والمؤسسات الدينية الملكية.
      ‌د.  حل  كل أمير محل الملك في سلطته العسكرية فاستقل كل منهم بتكوين جيش مستقل في إمارته وانعقد له لواء رئاسته، وأصبح الجيش المصري يتكون من عدة فرق بعدد الإمارات وعلى رأس كل فرقة إقليمية أمير الإقليم، وعلى رأسها جميعاً الملك من الناحية النظرية. أما عن السلطة التنفيذية فقد بقى الملك على رأسها من الناحية النظرية غير أن الأمير تولاها واستقل بالإشراف على جميع مرافق الدولة والجهاز الإداري في إمارته وانفصلت عن السلطة المركزية واستقلت عنها. فالموظفون يعينهم الأمير ويسألون أمامه ويتلقون منه التعليمات، والأمير يتولى فرض الضرائب وجبايتها وكذلك أعمال السخرة. ومن ثم لم تعد إدارات الإقليم فروعاً للإدارات المركزية في العاصمة. وحدث نفس الأمر بالنسبة لولاية القضاء فقد استقل بها الأمير باعتباره ممثلاً لإله الإقليم ولذلك كانت تصدر الأحكام باسم إله الإقليم ولا تستأنف أمام الملك.
مرحلة الثورة الشعبية
تفشي الفساد وانتشار الفوضى:
أدى ضعف السلطة المركزية وتفشي نظام الإقطاع قد أدى إلى انتشار الفوضى والفساد في البلاد واضطراب الأمن وعدم احترام القانون فاندلع لهيب ثورة شعبية بعد سقوط الأسرة واستهدفت الثورة القضاء على الفساد والعودة إلى الملكية المطلقة وإقامة الحكم العادل وإعلاء كلمة القانون.
نتائج قيام الثورة:
من أهم نتائج قيام هذه الثورة:
1- انقلاب الأوضاع الاجتماعية رأساً على عقب. فقد أصبح الأغنياء فقراء ووقع الموسرون في العوز واضطر النبلاء إلى العمل بأيديهم لكسب قوتهم، وبذلك تحطمت الحواجز الاجتماعية. 
2- انتشار فكرة المساواة بين الناس في الدنيا وفي الآخرة فأصبح الخلود بعد الموت من حق المصريين جميعاً بدون استثناء. ولم يقتصر الأمر على المساواة الدينية – والناحية الدينية كانت أهم ما يشغل حياة الشعب المصري – بل امتدت أيضاً إلى الحقوق والالتزامات في الحياة الدنيا.
3 القضاء على النظام الإقطاعي والعودة إلى توحيد البلاد والنظم ذات النزعة الفردية بقيام الدولة الوسطى، منذ عهد الأسرة الحادية عشرة.

ثانيًا : نظام التقاضي
المرحلة الأولى (نظام التقاضي حتى تحول الأقاليم إلى إمارات)
1- خصائصه :

تميز النظام القضائي قبل التحول إلى إمارات بعدة خصائص  أهمها:
1- لم تأخذ الدولة بمبدأ الفصل بين السلطات، ومن هنا تولى ممثلو السلطة التنفيذية، وهم حكام الأقاليم، رئاسة محكمة الإقليم، وتولى الوزير رئاسة المحكمة العليا في العاصمة وتسمى أحياناً محكمة الستة، وهي تستأنف أمامها أحكام محاكم الأقاليم.
2- تعدد درجات التقاضي وتعدد جهاته.
3- كان القضاء مدنياً يتولاه المدنيون ولا يشترك الكهنة في القضاء.
4- تميز القضاء أيضاً بوحدته بالنسبة لجميع المصريين قبل عهد الأسرة الخامسة دون تمييز بينهم.
5- تميز بوجود قضاء إداري إذ كانت المنازعات بين جهات الإدارة والأفراد تخضع لقضاء خاص.
6- ونلاحظ أخيراً أن نظام التقاضي العادي تميز بتعدد درجاته.

2- جهات التقاضي ودرجاته:

(أ) القضاء العام (العادي):
خضع له جميع المصريين بلا استثناء قبل عهد الأسرة الخامسة. وكان التقاضي على درجتين. ومحاكم الدرجة الأولى، وهي محكمة المحافظة، وتوجد واحدة بكل إقليم من أقاليم مصر. وتعلوها محكمة استئناف واحدة هي المحكمة العليا بالعاصمة برئاسة الوزير.
وكانت إجراءات التقاضي واحدة أمام محاكم الدرجة الأولى وأمام محكمة الاستئناف. وكانت دائماً كتابية وتبدأ بأن يكتب المدعي عريضة دعوى Seper يودعها قلم الكتاب. وعلى الخصمين أن يقدما المستندات الدالة على ادعاءاتهما.
وهذا النظام يدل على أن النظام القضائي الفرعوني وصل إلى درجة عالية جداً من التنظيم شبيه بما يوجد الآن في الدول المتمدينة.
(ب) القضاء الخاص : ويشمل عدة صور أهمها:
1- القضاء الإداري :
كانت المنازعات بين الأفراد وجهات الإدارة حول تقدير الضرائب وإقرارات الممولين تخرج من اختصاص القضاء العادي. وتختص بنظرها هيئة خاصة مشكلة من كبار موظفي الخزانة والضرائب في المحافظة وتنعقد برئاسة المحافظ. وكان يجوز التظلم من قرارات هذه الهيئة أمام هيئة قضائية تتكون من كبار القضاة مقرها الإدارة المركزية في العاصمة.
2- التحكيم :
كان يجوز للأفراد الاتفاق على استبعاد اختصاص المحاكم بنظر بعض المنازعات وطرحها أمام محكمين يختارونهم لذلك. واتفاق التحكيم كان يتضمن أسماء المحكمين وموضوع النزاع والإجراءات التي تتبع أمامهم والجزاء الذي يوقعونه. وحكم المحكمين كان نهائياً قابلاً للتنفيذ دون حاجة لعرضه على المحاكم.

المرحلة الثانية (نظام التقاضي بعد تحول الأقاليم إلى إمارات)
القضاة كهنة العدالة:
ترتب على تحول الدولة إلى دولة دينية منذ أواخر عهد الأسرة الرابعة أن أصبح القضاة كهنة لآلهة العدالة واعتبر الوزير كبيراً لكهنة هذه الآلهة.

ولاية القضاء من اختصاص الأمير صاحب الإقطاعية:
ترتب على توارث حكام الأقاليم لحكمها واستقلالهم بها أنهم كانوا يمارسون ولاية القضاء داخل إماراتهم منذ عهد بيـبي الثاني الذي سقطت بعد حكمه بست سنوات الأسرة السادسة. وأصبحت الأحكام القضائية تصدر باسم إله الإقليم لا باسم الملك، والأمير يستمد ولاية القضاء من إله إمارته وليس من الملك فهو يحكم بصفته أميراً إقطاعياً لا بصفته قاضياً. وترتب على ذلك عدم جواز الطعن في أحكامه أمام المحكمة الاستئنافية العليا بالعاصمة. ولذلك اندثرت المحكمة العليا ولا تجد لها أثراً منذ آخر عهد بيـبي الثاني.
المحكمة الإقطاعية:
ظهرت هذه المحكمة لأول مرة في تاريخ مصر في عهد الأسرة الخامسة بعد ظهور النظام الإقطاعي وانقسام المجتمع المصري إلى طبقات وراثية. وتطلق عليها النصوص محكمة الإله الأعظم neteraa، أي محكمة الملك. وقد أنشئت هذه المحكمة في عهد ثالث ملوك الأسرة الخامسة، وتنعقد برئاسة الملك وعضوية بعض الأشراف من كبار رجال البلاط الملكي الذين يختارهم الملك. وهي تختص بنظر المنازعات بين الأشراف وبنظر المسائل المتعلقة بعهد الولاء الذي يربط الشريف (ايماخ) بالملك. ومن أهم العقوبات التي توقعها حرمان الشريف من الدفن بالمقبرة الملكية أو سحب الإقطاعية أو المنحة التي سبق أن حصل عليها من الملك.
اصطباغ إجراءات التقاضي بصبغة دينية:
وكان من نتائج  كل هذه  التطورات اصطباغ إجراءات التقاضي بصبغة دينية واضحة. فالأمير يتولى القضاء في معبد إله الإقليم وتنسب أحكامه إلى هذا الإله وباسمه تصدر الأحكام وأصبح من المستحيل الاعتماد على وثائق مكتوبة تصدر من جهات رسمية فحل اليمين وشهادة الشهود محل الإثبات بالكتابة.

2- نظم القانون الخاص
أولاً : الشخصية القانونية
التعريف بالشخصية القانونية :
تعرف الشخصية القانونية بأنها الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالواجبات القانونية الحديثة، لا تقصر الشخصية القانونية على الآدميين بل تمنحها أيضاً لبعض الهيئات، منها في القانون الخاص الجمعيات والشركات والمؤسسات. ولذلك يقال بأن الآدميين أشخاص حقيقية أو طبيعية بينما تعتبر هذه الهيئات أشخاصاً اعتبارية أو معنوية. وهذه الأشخاص الاعتبارية صالحة لكسب الحقوق والتحمل بالواجبات على وجه الاستقلال عن الأشخاص المكونين لها أو المستفيدين منها.

(أ) الشخص الطبيعي (الإنسان):
الشخصية القانونية تثبت للإنسان لمجرد كونه إنساناً، فكل إنسان يعتبر شخصاً في القانون الحديث. وتبدأ هذه الشخصية بولادته وتستمر حتى وفاته وحينئذ تنتهي شخصيته. ولكن الأمر لم يكن كذلك في معظم الشرائع القديمة حيث كانت الشخصية القانونية لا يعترف بها إلا للأحرار من المواطنين كقاعدة عامة وللأحرار من الأجانب في حدود معينة. ولذلك لم يكن الرقيق شخصاً في الشرائع التي كانت تأخذ بنظام الرق.
وقد ثار التساؤل عما إذا كان القانون الفرعوني قد عرف نظام الرق في دورته الأولى. وذهبت الغالبية إلى تفسيرها بما يفيد إنكار وجود الرق. وطبقاً للرأي الراجح فإن المصري يولد حراً ويموت حراً سواء كان من العمال أم الفلاحين أم من عظماء الدولة وسواء في المرحلة التي سبقت العهد الإقطاعي  أم خلاله حتى نهاية الدورة الأولى. فالوثائق الخاصة بإحصاء الذهب والحقوق لا تذكر وجود الرقيق فضلاً عن أنه يبين من بعض الوثائق الأخرى أن الفلاح أو العامل كان يمارس حقوقاً هي من مظاهر الشخصية القانونية منها: توقيع أحد العمال على وثيقة باعتباره شاهداً، والزراع merit في المزارع الملكية أو في أراضي المعابد أو أراضي كبار الملاك كانوا يرتبطون بهؤلاء بعقد مزارعة ويقومون بالزراعة لحسابهم الخاص ويوفون ما عليهم من التزامات لصاحب الأرض. وفي بعض عقود العمل كان العامل أو الفلاح يعمل بأجر في ساعات معينة ولمدة معينة. وفي النقوش الموجودة على المقابر يفاخر الميت بأنه لم يبخس عاملاً حقه ويباهي بأنه كان يوفي العمال أجورهم.
غير أن بعض الوثائق تدل على أن أسرى الحروب من الأجانب كانوا يعملون بدون أجر في المزارع الملكية أو في المحاجر أو في مناجم النحاس في سيناء وأن حالة هؤلاء لا تختلف كثيراً من الناحية الفعلية عن الرقيق. ولذلك يعتبرهم بعض الباحثين نوعاً من الرقيق العام. وقد جرى العمل على أن الدولة كانت تنزل عن حقها على هؤلاء الأسرى إذا ما تصرفت في بعض أملاكها للأفراد أو الهيئات.
(ب) الشخص الاعتباري (حقول الآلهة والمؤسسات الدينية):
تدل الوثائق على أن الملك كان يهب بعض المعابد وكهنتها أراضي زراعية تخصص للإنفاق على العبادة الملكية وتقديم القرابين والشعائر حال حياة الملوك وبعد وفاتهم، وتسمى هذه الأراضي حقول الآلهة. وبهذا التخصيص تخرج هذه الأموال من دائرة التعامل. ومن ناحية أخرى جرى بعض الأفراد منذ عهد الأسرة الرابعة على تخصيص أموال معينة من ممتلكاتهم لتقديم القرابين بعد وفاتهم في مقبرتهم، وقد جرى الباحثون على إطلاق تعبير المؤسسات الدينية على هذه الأموال.
وقد ذهب فريق من الباحثين إلى القول بأن حقول الآلهة تعتبر أشخاصاً اعتبارية مستقلة عن هيئة الكهنة الذين يقتصر دورهم على إدارتها، وتمثيلها. وذهب فريق آخر، وهو الرأي الصحيح عندنا، إلى أن هذه الأموال شبيهة بنظام الوقف على المساجد الشائع في البلاد الإسلامية، وأنها لا تعتبر مملوكة للشخص الاعتباري المزعوم بل تعتبر مملوكة للكهنة ملكية مقيدة. وذهب الرأي الأول أيضاً إلى أن المؤسسات الدينية، أي الأموال التي يرصدها الأفراد لخدمة الموتى في المقابر، تعتبر مؤسسات دائمة شبيهة بالمؤسسات في الفقه الحديث التي تقوم على رصد مال لجهة من جهات البر أو النفع العام تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن هيئة الكهنة التي تتولى إدارتها أو تمثيل المؤسسة. أما الرأي الثاني – وهو الصحيح عندنا – فيذهب إلى أنها هبة مشروطة بعوض هو تقديم القرابين. فالأموال لا تعتبر مملوكة للإله ولكنها تعتبر مملوكة للموهوب له، وهم الكهنة.
وعلى كل حال فإن الشرائع القديمة لم تعرف المؤسسات بالصورة المعروفة في الفقه الحديث. ولكنها تعرف النظام الذي يقوم على ائتمان شخص على مال معين أو هبته إياه على أن يلتزم بتنفيذ رغبات وشروط المؤتمن أو الواهب.
تطور المجتمع المصري بسبب ظهور النظام الإقطاعي وامتيازات الأشراف الأمر الذي أدى إلى تغيير النظام الاجتماعي فضلاً عن الشخصية القانونية إذا انقسم المجتمع إلى طبقات.

(أ) الشخص الطبيعي (الإنسان):
ظل القانون الفرعوني يجهل نظام الرق في هذه المرحلة كما كان يجهله في المرحلة السابقة. غير أن المركز القانوني للمصريين، أصبح يختلف باختلاف حالة الشخص تبعاً للطبقة التي ينتمي إليها. فالأشراف – كما سبق القول – كانوا يتمتعون بالعديد من الامتيازات. وكل  من لا يدخل في عداد الأشراف يدخل في الطبقة الثانية وهي طبقة أنصاف الأحرار. وهذه الطبقة كانت تشمل الفلاحين والعاملين في الإقطاعية من مستخدمين وكتبة وصناع. وهؤلاء أصبحوا تابعين للأرض – كما سبق القول – نتيجة لتحول علاقة المزارعة التعاقدية بين الفلاح والمالك إلى علاقة تبعية دائمة للأرض تلزمه هو وورثته بالبقاء في الأرض لا ينتقل منها أبداًَ ولا يخرجه منها مالكها. وتنتقل تبعية الفلاح للمالك الجديد في حال انتقال ملكية الأرض. ونظام التبعية – كما هو معروف – يختلف عن نظام الرق. غير أن التابع وإن كان حراً إلا أنه يلتزم بعدة التزامات تقيد هذه الحرية وتحد منها، فهو تابع للأرض، وللشريف حق القضاء داخل إقطاعيته وله أيضاً فرض الضرائب فضلاً عن قيمة الإيجار وكل من الإيجار والضريبة يخضع لإرادة الشريف.

 (ب) الشخص الاعتباري:
ترتب على انتشار النظام الإقطاعي، ظهور نوع جديد من الملكية هو ملكية الأسرة. وقد ذهب فريق من الباحثين إلى أن ملكية الأسرة تعتبر شخصاً اعتبارياًَ يسمى المؤسسات الأهلية بالإضافة إلى الأشخاص الاعتبارية الأخرى وهي حقول الآلهة والمؤسسات الدينية. غير أن هناك فريقاً آخر يذهب إلى إنكار صفة الشخص الاعتباري على ملكية الأسرة – كما أنكره على حقول الآلهة والمؤسسات الدينية والأهلية – وهو الرأي الصحيح عندنا. ذلك أن أموال الأسرة كانت مملوكة ملكية مشتركة بين الورثة ولكل منهم نصيبه فيها وليست مملوكة للأسرة في ذاتها.


ثانيًا : نظام الأســرة
المرحلة الأولى (حتى الأسرة الخامسة)
أسرة أبوية متحابة:
إن الإجماع  منعقد على أن الأسرة الفرعونية حتى عهد الأسرة الخامسة كانت تسودها أحكام ذات نزعة فردية وأن عاطفة المحبة والحنان من جانب الوالدين وعاطفة التبجيل من جانب الأولاد سادت الأسرة المصرية.

السلطة الأبوية والسلطة الزوجية:
تتكون الأسرة من الأب والأم والأولاد، وهي أسرة أبوية، والسلطة الأبوية وكذلك السلطة الزوجية كانتا معتدلتين، ولذلك وجب وصف السلطة الأبوية بأنها مجرد ولاية على النفس والمال. والوثائق تشير إلى أن أهلية كل من الزوجة والأولاد كانت كاملة ولكل منهم ذمة مالية مستقلة ومنفصلة عن ذمة الأب أو الزوج ولا تتأثر أهلية المرأة بزواجها بل تظل كاملة الأهلية. وتدل الوثائق على أنها تستطيع أن تكون طرفاً في أحد العقود أو شاهداً في تصرف قانوني، ترفع الدعاوى باسمها وترفع ضدها، كل ذلك دون حاجة للحصول على إذن من زوجها، فهي وزوجها متساويان في الحقوق والواجبات.

الزواج:
يذكر لنا هيرودت (2 : 92) أن المصريين كانوا يأخذون بمبدأ الزوجة الواحدة بينما يقرر ديودور (1 ، 80) أن الاقتصار على زوجة واحدة كان سائداً بين الكهنة فقط أما بقية المصريين فكانوا يأخذون بمبدأ تعدد الزوجات. غير أنه من الثابت أن مصر كانت تأخذ بنظام تعدد الزوجات في عهد الدولتين الوسطى والحديثة ويرجح وجوده في العهد الإقطاعي في هذه الدورة.

الإرث:

نظام الإرث كان يحكمه مبدآن :
عدم التفرقة بين الذكور والإناث في الإرث الشرعي وحرية الشخص في الإيصاء بماله كانت مطلقة.
فهذه الوثائق تدل على أن التركة كانت تؤول للأولاد الشرعيين دون تمييز للذكور على الإناث ودون تمييز بين الابن الأكبر وبقية أخوته فأنصبتهم جميعاً كانت متساوية. فإذا لم يترك ولداً آلت التركة إلى الأخوة والأخوات. ومن حق الشخص أو يوصي بماله لوارث أو غير وارث ولم يكن المورث ملتزماً بترك أي قدر من ماله لورثته. وكانت الوصية تحرر كتابة ويشترط في الموصي صحة العقل والبدن. وكثيراً ما كان المورث يلجأ إلى الوصية لقسمة أموال تركته بين ورثته ويحدد فيها نصيب كل واحد منهم.

المرحلة الثانية (العصر الإقطاعي)
الزواج:
حدث تغيير جوهري في نظام الأسرة نتيجة لانتشار نظام الإقطاع. فالأسرة لم تعد مقصورة على الأب والأم والأولاد بل أصبحت تضم الحواشي كالأعمام والأخوال وأولادهم. انتشر نظام الحظايا لدرجة أن الرجل كان يفاخر بعدد محظياته.

تقييد أهلية المرأة:
ففقدت أهلية الأداء ولكنها ظلت محتفظة بأهلية الوجوب سواء قبل زواجها أم بعد الزواج، فلها ذمة مالية مستقلة عن أبيها قبل زواجها، وعن زوجها بعد زواجها. وبذلك دخلت المرأة في عداد ناقصي الأهلية فهي لا تستطيع مباشرة التصرفات القانونية بمفردها لأن لزوجها الولاية على أموالها حال حياته وللوصي الذي يختاره لذلك بعد وفاته، فإنه لم يختر لها وصياً خضعت لولاية ابنها الأكبر. ولذلك كانت في حاجة إلى إذن أحد من هؤلاء عند إبرام التصرفات القانونية ولا يصح تصرفها دون هذه الإجازة.

السلطة الأبوية:
تنامت السلطة الأبوية في هذا العصر، فالأولاد يعتبرون من أتباع رب الأسرة. فهو ينوب عنهم في سائر المعاملات المالية ولا يستطيعون بمفردهم مباشرة التصرفات القانونية. غير أن الأولاد – ذكوراً وإناثاً  -  وإن فقدوا أهلية الأداء إلا أنهم مازالوا محتفظين بأهلية الوجوب فلكل منهم ذمة مالية مستقلة.

امتياز الابن الأكبر:
اكتسب الابن الأكبر مركزاً ممتازاً بين أخوته، وهذا الامتياز يقتصر على الذكور دون الإناث ومن ثم لا تكسب البنت هذه الصفة حتى ولو كانت كبرى اخوتها. فسلطة رب الأسرة كانت تنتقل – بعد وفاته – إلى ابنه الأكبر فتصبح له الولاية على جميع أعضاء الأسرة بما فيهم أمه ما لم يختر رب الأسرة – قبل وفاته – وصياً غير ابنه الأكبر.
وبمقتضى هذه الولاية ينوب الابن الأكبر عن اخوته في إدارة كل شئون الأسرة ويلتزم بالإنفاق عليهم جميعاً.



الإرث:
صاحب هذه التطورات تطور في نظام الإرث. فقد تميز الذكور عن الإناث، وتميز الابن الأكبر عن بقية اخوته الذكور وتقيدت حرية الشخص في الإيصاء بماله. غير أن القاعدة القديمة التي كانت تقضي بحرمان الأولاد غير الشرعيين من الإرث، ظلت مطبقة. فالتركة كانت تؤول إدارتها كلها إلى الابن الأكبر غير أنه لا يمتلكها بمفرده بل يشترك معه في ملكيتها اخوته الآخرون، غاية الأمر أنهم لا يتسلمون أموال التركة بل تظل في أيدي أخيهم الأكبر ليتولى إدارتها نيابة عنهم.
أما البنات فيرثن فقط الأموال التي آلت إلى المورث عن غير طريق الإرث ويحرمن من إرث الأموال التي آلت إليه بطريق الإرث حتى لا تؤول إلى أسرة أجنبية بزواجها. غير أن فريقاً آخر من الباحثين ذهب إلى أن لهن حق الإرث في جميع الأموال مثلهن مثل الذكور سواء بسواء، ولا خلاف بين الفريقين على أنهن كن يرثن في حلي أمهاتهن.

الوصية :
وظلت الوصية تخضع لشرط الكتابة، وشرط صحة العقل والبدن، غير أنه استجد مبدأ كتابتها في حضرة شهود.



شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019