موجز بحث الشريعة في ندوة الانتحار بتاريخ 10 / 11/ 2014
جاء في معجم لغة الفقهاء أنَّ : الانتحار من النحر وهو من قتل النفس بأداة ما .
اصطلاحاً : هو إقدام الشخص على فعل مؤدي إلى هلاكه وموته .
أو هو القصد إلى إزهاق الروح عمدا بالفعل أو الترك .
ويرى بعض الباحثين : إنَّه المحصلة النهائية لمجموعة الأفعال التي يقوم بها الفرد للتخلص من حياته وهو مدرك لذلك ودون أن يكون دافعه بذلك التضحية لقيمة اجتماعية ما أو تحريضاً من آخر .
وبهذا يخرج العمل الفدائي والإجبار على القتل .
وعليه : الانتحار ليس إلقاء للنفس بالتهلكة لأن التهلكة والهلاكة تصدق في مورد يكون الإنسان حياً ولكنه صار كــ لاحي مثل التاجر يفلس فيصير هالكاً والإنسان يرتكب أمراً عظيماً يؤول أمره إلى الهلاك شرعاً في الآخرة أو حكماً عرفياً في الدنيا ، كما نص معجم اللغة : إنَّ التهلكة هي : كل ما عاقبته الهلاك . فالتهلكة مقدمة الهلاك . هامش بحار الأنوار ج28ص189.
• موقف الأديان من الانتحار :
1- اليهودية : تميز اليهود بحبهم للحياة وبالتالي قلَّ عندهم هذا الفعل ولكنهم لم يحرموه ولم يحببوه .
ولكن : في النصف الثاني من القرن الماضي وأوائل النصف الأول من القرن الحالي ازداد بسبب الإضطهادات وطبيعتهم الانفعالية الدورية .
2- المسيحية : للمسيح اتجاهان :
أ- إنَّه سلوك شخصي لا يعاقب عليه .
ب- فعل غير أخلاقي ولا ديني لأمرين :
أولاً : شخصية الإنسان مقدسة .
ثانياً : إنَّ الإنسان واحد من طاقات الدولة .
3-الإسلام : دلت الأدلة المتعددة نوعاً على منعه ومنها :
أ- على مستوى النص القرآني :
أولاً : إنَّ الإنسان خليفة الله تعالى في الأرض .
ثانياً : إرسال الرسل للهداية لا للفوضى وهدر النفس من الفوضى .
ثالثاً : جعل مقاصد عليا للتشريع وهي مقاصد الشريعة الخمسة والمعروف منها حفظ النفس .
رابعاً : التأكيد على حق الحياة .
خامساً : النهي عن قتل النفس التي حرم الله تعالى الشامل بعمومه للمنتحر.
ب- مستوى النص الروائي : وفي ذلك روايات متعددة ومنها:
أولاً : نهي النبي (ص) عن تمني الموت الدال بقياس الأولوية – كما يعبر الأصوليون – على المراد . قال (ص) : ( لا يتمنينَّ أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) .
ثانياً : عن الإمام الباقر (ع) : ( إنَّ المؤمن يبتلي بكل ليلة ويموت بكل بلية ويموت بكل ميتة إلا أنَّه لا يقتل نفسه ) . الكافي ج2ص254.
ثالثاً : عن الإمام الصادق (ع) : ( من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها ) . الكافي ج7ص45وغيره .
ج- الإجماع :
د- العقل : حيث أنَّ الانتحار فيه خطورة نابعة من أمرين :
1- إنَّه جريمة تفسد على الإنسان دينه ودنياه وآخرته .
2- إنًّه جريمة تفسد المجتمع بلحاظه نقص من ثرواته وطاقاته .
ونخلص إلى القول إنَّه محرم شرعاً طبقاً لما تقدم .
رأي الفقهاء في المسألة بلحاظ صيرورته هو لا حكم فعله كالآتي :
في القضية رأيان :
1- فاسق لأنَّه ارتكب كبيرة وغير مخلد في النار وهو ما ذهب إليه أهل السنة.
2- كافر مخلد في النار وهو ما قال به المعتزلة والخوارج .
أحكام المنتحر :
1- يغسل ويكفن ويدفن : أما الصلاة عليه فهناك رأيان بل ثلاث وكالآتي :
أ- يصلى عليه .
ب- يصلى عليه من غير الإمام فلا يصلي عليه . وهو منسوب للحنابلة .
ت- لا يصلى عليه . وهو منسوب لبعض الأحناف والأوزاعي .
2- حكم تقديم المساعدة على الانتحار :
أ- يعزر : وهو ما ذهبت إليه الحنفية وبعض المالكية وظاهر الشافعية والحنابلة .
ب- يجب القصاص : وهو ما قال به بعض من الأحناف ومذهب المالكية وقول للشافعي والحنبلي ومذهب الظاهرية .
ت- تجب الدية لكن من مال القاتل .
والأرجح بحدود التتبع الأولي : هو القصاص لقول علي (ع) : ( إنما الطاعة في المعروف ) .
• فوائد :
1- ذكرت الدوائر الإحصائية في أمريكا أنَّ القمار سبب في:
أ- 30% من الجرائم .
ب- 90% من السرقة .
ت- 50% من الجرائم الجنسية .
ث- 10% من فساد الأخلاق .
ج- 30% من قضايا الطلاق .
ح- 40 % من أفعال الضرب والجرح .
خ- 5 % من حوادث الإنتحار .
كما ورد ذلك في تفسير الأمثل : ج4ص144.
وتجدر الإشارة أن السعودية في عام 1402هـــ حدثت 99 حالة من الانتحار وفي عام 1421هـــ 454 حالة . وهذا يعني زيادة القضية بنسبة 400،6 % وهي نسبة مهولة .
2- ذكرت شبكة الموسوعة الشيعية بتاريخ 23 / 3 / 2000م الساعة الواحدة ظهراً : ( موضوع الانتحار سنة معطلة ) . جاء فيه :
إنَّ النبي (ص) غير متأكد من نبوته لتأخر الوحي ويريد يزهق نفسه من أعلى جبل شاهق ويأتيه الوحي . أنظر البخاري ج8 ص 67 .
3- الموت ليس دعوى إلى الانتحار وإنما نختار الموتة التي يكون لله تعالى رضاً فيها . معالم الفتن لسعيد ايوب ج2 ص 348 .
قال النبي (ص) : ( كيف بكم إذا مرج الدين فظهرت الرغبة واختلف الأخوان وحرق البيت العتيق ) .
4- هل يجوز الانتحار عمداً للتخلص من العدو أو الضرر ؟ :
مثلاً : لو علم المسلم أنَّه لو عذّب سيُعِّرف بما يضرب به مصلحة ومكانة المسلمين أو هتك عرض .... الخ ، ففي المسألة وجهان .
والظاهر رعاية موازين التزاحم ومرجحاته .
ولكن معرفة وتشخيص الأهم والمهم يحتاج خبرة كبيرة لا تتوفر لأي أحد .
5- يرى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي أنَّ إلقاء النفس بالتهلكة كما يعبّر عن ذلك في قضايا الجهاد فهي خارجة تخصصاً ؛ لأنَّ إلقاء النفس بالتهلكة يتعلق بالموارد التي لا يكون الهدف فيها أثمن من النفس . ج2ص35.
6- يرى الطباطبائي : إنَّ بعض من يصيبه الجزع نتيجة تعب الحياة يلجأ إلى الانتحار لانه يرى الراحة في الموت . القرآن في الإسلام ص6 .
7- يرى السبحاني : إنَّ النفس اللوامة تأخذ بصاحبها باللوم إلى حد تدفعه للانتحار لعدم تحمله وطأة الجريمة . الأقسام في القرآن الكريم ص125.
أو كما يقول الأمثل : ج7ص 232 إنَّ الأشخاص الضعفاء تصيبهم الهزيمة فيقنطوا فينتحروا . أو يصاب بالجزع فيخمد غضبه بالانتحار : ج10 ص302.
محل الكلام : لبحث الانتحار الذي سأقوم بتوسعته بعد هذه الخطوط العامة أهداف وتساؤلات ومنهج ونتائج ومنها :
1- مصطلح الانتحار حديث ولأجل ذلك لم يذكر عند المتقدمين من الفقهاء .
2- تتفق المذاهب على تحريم الانتحار وكذلك التحريض عليه والمساعدة كذلك .
3- يتحقق بالإيجاب كما يتحقق بالسلب كمن امتنع عن فعل الواجب.
4- يرى البحث ضرورة إبراز دور المؤسسات التعليمية بالتوجيه لدراسة هذه الظاهرة وسبل علاجها .
5- إبراز دور الإعلام والتوعية لنشر حقائق الانتحار وخطورته على المجتمع والعقيدة .
6- أهمية إنشاء مراكز علاجية للإفراد الذين نجوا من الانتحار بعد عدولهم ومعاملتهم بما يليق وأحوالهم وظروفهم .
7- تشير الإحصاءات إلى أنَّ أعلى دول العالم بالانتحار والأمراض النفسية والعصبية هي السويد مما يوحي أنَّ المسألة في شقاء الحياة لا يجب أن تؤخذ بجانبها المالي فقط .
8- الدين دعامة أخلاقية وحصن منيع في خضم التقلبات العالمية فالإيمان بالحياة الآخرة منفذ الصبر بخلاف الماديين وغيرهم .
شاركنا بتعليقك...