بقلم الاستاذ الدكتور محمد ثامر
هناك أمر مثير للجدل فيما يتعلق بالقوانين التي ترفض الالحاد ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يمتد الجدل ليشمل أن بعض هذه القوانين تميز في أعمال نصوصها بين الديانات والمعتقدات أو تميز في الآلية القانونية التي تتعامل مع هذه المعتقدات والديانات ..
ومع ذلك , فأن الحقيقة الوحيدة هي أنه ليس هناك حتى الأن قاعدة مشتركة كافية في الانظمة القانونية والاجتماعية لدول مجلس أوربا تفيد الاستنتاج القائل بأن الدول تستطيع أن تفرض قيودا على أي طريقة من طرق النشر على أساس أنها الحاد ، كما أن هذه القيود بحد ذاتها غير ضرورية لمجتمع ديمقراطي ولذلك فهي لا تتفق مع متطلبات المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية )).
وفيما يتعلق بقضايا القذف والتشهير وجدت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان في قضية ينجنس ضد النمسا لسنة 1982 أن المدعي صحفي كان قد نشر مقال ذكر فيه أن السياسين عادة ما يكذبون في تصريحاتهم الموجهة للجمهور وأنه قد آدين بناء على نشر هذا المقال وقد وجدت المحكمة بالفعل أن هذه الأدانه تستهدف حماية سمعة السياسين ومع ذلك أشارت اللجنة الى أن التتميز يجب أن يتم بين ضرورة التنظيم القانوني وضرورة حماية المدعيين وادعاءتهم في قضايا معينة أو في قضايا تمتاز بأنها ذات ميزة خاصة مثل القضايا ذات الطابع السياسي أو قضايا النشر التي يكون محورها شخصية سياسية أو نقاش عندها يكون من الضروري والمهم جدا حماية حرية التعبير في هذا المجال .
ولذلك أعتبرت اللجنة أن من المهم مراعاة مسألة جوهرية هي أن القيود أو الاجراءات التنظمية الصادرة بموجب قوانين أو تعليمات لا تطبق ألا إذا كانت هناك ضرورة جدية , ثم أن السياسين بشكل خاص يجب أن يكون لديهم الأستعداد لتقبل النقد مهما كان حاد أو لاذع لما يبدونه من تصريحات سياسية أو يقيمون به من أعمال ونشاطات وأن مثل هذه الانتقادات لا يمكن أن تصنف على أساس أنها جرائم تشهير الأ إذا كانت هذه الأنتقادات طعنا في شخصياتهم أو نزاهتهم ،
ومع ذلك فقد رأت اللجنة أن المقالة لم تعتمد على حقائق تثبت أن السياسين يكذبون فإن اجراءات الإداناة التي تعرض لها كاتب المقال هي اجراءات صحيحة وفي قضية ثيورجير ضد أيسلندا لسنة 1992 وجدت المحكمة الأوربية أن المدعي كان قد نشر مقالتين في أحدى الصحف المحلية ينتقد فيها رجلي شرطة غير محددي الهوية وذلك لقيامهما بالتعامل بعنف مفرط مع المتهم ..
وأقرت المحكمة في حيثيات الحكم أن دور الصحافة بوصفها واحدة من وسائل الأتصال العامة لا ينحصر في النقاشات السياسية الضيقة بل يمتد ليشمل قضايا أخرى تستحوذ على الرأي العام وأضافت المحكمة أن هدف الكاتب الأول من وراء المقالتين لم يكن الحاق أي أذى بسمعة رجال الشرطة وأنما الضغط باتجاه اجراء عمليات التحقيق مع المتهمين بشكل أكثر مهنية وأستقلال وبناء على ذلك أستنتجت المحكمة أن قرار أدانة كاتب المقالتين يمثل انتهاكا لأحكام المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية المتعلقة بحق التعبير وأكدت المحكمة أن الكاتب قد وثق المعاملة القاسية لرجال الشرطة مع المتهمين بصورة كبيرة وواضحة وضعت مع المقالتين ثم أنه لم يذكر اسم ضابط الشرطة الذين قاموا بهذه الاعمال وبأختصار كما تقول المحكمة كانت كلتا المقالتين قد اعتدا بمسؤولية كاملة .
وفي قضية ما زار وكومبانا ضد الحكومة الرومانية لسنة 2004 قضت المحكمة الأوربية أن المدعيين وهما يعملان كصحفيين لهما استنادا إلى مهنتهما أن يعلما الجمهور والعامة سوء ادارة المال العام الذي يقوم به بعض الممثلين الذين تم انتخابهم أو بعض الموظفين العمومين ومع ذلك وأن كان أتهام الصحفيان لموظفين ونواب محددين بالأسماء يوجب على الصحفيين أن يقدموا أدلة تثبت أن هولاء الممثلين أو الموظفين قد قاموا بسوء أدارة أو هدر للمال العام خصوصا أن مثل هذه الاتهامات هي اتهامات خطيرة قد تصل حد الاتهامات الجنائية ،
وعلى الرغم من أن كلا الصحفين قد فشل في أن يثبت ذلك أمام المحاكم الوطنية المختصة مما جعل المحكمة تقتنع بتوجيه الأدانه لهم بجريمة القذف والتشهير من قبل المحاكم الجنائية الوطنية المختصة ألا أن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان استنتجت أن الحكم على هذين الصحفين بعقوبة سالبة للحرية أمدها سبع شهور هي عقوبة قاسية جدا وغير مبررة خصوصا وأن هذا الحكم قد رافقه حكما أخر هو منع الصحفيان من مزاولة العمل الصحفي لمدة سنة كاملة وخلصت المحكمة الى أن هذين الحكميين ينتهكان المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية وأن هذه القضية تمثل النظرة الكلاسيكية لجريمة القذف والتشهير وقضت المحكمة أن الحالات التي يعاقب فيها الصحفي بالسجن هي حالات أستثنائية تتطلبها ظروف طارئة تشكل تهديدا جديا للحقوق والحريات الأساسية الأخرى ..
مثل حالات نشر مقالات حول التحريض على الكراهية أو التحريض على التمييز ثم أكدت المحكمة أن الأعلان بأن هذه العقوبة السالبة للحرية سوف لن تنفذ لأن الصحفيان قد قدما ألتماسا بالعفو للرئيس الروماني سوف لن يحول دون عد مثل هذا الحكم انتهاكا للمادة العاشرة . أما فيما يتعلق بجرائم التشهير بالقضاة أو كما يسمى في الفقه الانكليزي أهانة المحكمة فقد قضت المحكمة الأوربية في قضية بار فورد ضد الدنمارك لسنة 1991 أن المدعي الصحفي لم يدان على أساس أنه كتب مقالا بنتقد فيه طريقة تعيين القضاة بطريق الانتخاب بل آدين على أساس انه هاجم بمقاله قضاة معنيين وأن هذه الأدانة تهدف لحماية سمعة هولاء القضاة .
وحول التساؤل فيما لو كان الادعاء بارتكاب جريمة التشهير والقذف ضد الادعاء العام أو الموظفين والعموميون العاملين في مجال القضاء يمثل انتهاكا للمادة العاشرة لقد عملت المحكمة على أيجاد موازنة بين حاجة المحاكم لأن تتمتع بالثقة العامة و النقد الموجه ضد ما تصدره من احكام وأقرت المحكمة أن حدود النقد المسموح به يتسع إذا ما تعلق بالموظفين العمومين وهم يمارسون ما خولهم القانون من صلاحيات ويضيق إذا ما تعلق بمجرد أناس عاديون يمارسون حياتهم الخاصة ..
ففي قضية نيكولا ضد فلندا لسنة 2004 وجدت المحكمة أن هناك انتهاكا للمادة العاشرة فيما يتعلق بتوجيه الادانه للمدعي لمجرد أنه وجه أنتقادا لقرارين غير قانونين أتخذا من قبل المدعي العام في محاكمة كان فيها المدعي يشكل جزء من هيئة الدفاع وأضافت المحكمة بأنه حتى في حالة التسليم بأن بعض عبارات الانتقاد التي وجهها المدعي لم تكن ملائمة فأن التمييز يجب أن يتم بين دور الادعاد كجهة تتولى توجيه الاتهام وبين القاضي الذي يجب أن يحظى بحماية متزايدة من التصريح بالانتقادات وأكدت المحكمة أن فرض قيود على حرية مجلس الدفاع في حقه بالتعبير تكون مقبولة فقط في القضايا الاستثنائية فعندها فقط تكون هذه القيود ضرورية لمجتمع ديمقراطي أما فيما يتعلق بحرية التعبير التي تتضمن انتقادات صريحة للدولة أو أحدى سلطاتها العامة فقد وجدت المحكمة في قضية أنجيل ضد هولندا لسنة 1980 ..
أن المدعيين يعملون موظفين مدنيين أدينوا بجرائم نشر لأنهم طبعوا ووزعوا مجلة كانت ممنوعة من التداول في الصفوف العسكرية وأكدت المحكمة أن مصطلح مخالفة النظام العام والاداب العامة المنصوص عليه في المادة العاشرة الفقرة الثالثة لا يقصد به النظام العام ولكن يقصد به كل نظام تفرضه عقوبة الأنتماء الى أي مجموعة معينة أو نظام معين كالنظام العسكري ولأن القيام بعملية النشر والتوزيع يشكل انتهاكا مباشر للنظام العسكري فأن قرار الأدانة يكون قد استند على أساس منع الموظفين المدنيين من نشر معلومات عسكرية . وفي قضية ازو سمث ضد المملكة المتحدة ردت اللجنة الأوربية الشكوى القائمة على أساس أن أدانة التحريض على عدم الاعتداء تشكل خرقا للمادة العاشرة ووجدت اللجنة أن مقدم الشكوى كان قد قام بتوزيع قصاصات من الورق على الجنود تدعوهم لتجنب الخدمة في شمال إيرلندا
شاركنا بتعليقك...