كشف واقعة جديدة أو تقديم مستندات كانت مجهولة من القضاة الذين حكموا بالإدانة مع أنه يبدو منها أن من شأنها التدليل على براءة المحكوم عليه.
ونشير بإختصار إلى إجراءات تقديم طلبات إعادة النظر بحيث يرفع الأمر إلى المحكمة العليا لتفصل في الطلب مباشرة إما من وزير العدل أومن المحكوم عليه أو ذوي حقوقه وهذا في الحالات الثلاثة السالفة الذكر أما بشأن الحالة الرابعة فإن الطلب يقدم من طرف النائب العام لدى المحكمة العليا فقط متصرفا بناء على طلب وزير العدل.
وبعد قبول الطلب يتم تعيين مستشار مقرر يتولى دراسة الملف و إتخاذ جميع إجراءات التحقيق لتفصل المحكمة العليا برفض الطلب أو بقبوله وتقضي ببطلان حكم الإدانة.
أما الحالة الثانية التي تخطر فيها لجنة التعويض فهي التي تهمنا في بحثنا هذا والتي تم التطرق إليها والمتعلقة بطلبات التعويض عن إجراء الحبس المؤقت غير المبرر بعد صدور أمر أو قرار بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة ويبقى من الضروري توافر الضرر أي أن يتضرر الشخص من هذا الإجراء لكي يمكن إخطار اللجنة ونظرا لأهمية هذا الشرط فقد خصصنا له فرع لدراسته بشيء من التفصيل في التشريعين الفرنسي والجزائري.
الفرع الأول: توافر عنصر الضرر وشروطه.
عرف عنصر الضرر كشرط من شروط إخطار لجنة التعويض في التشريع الفرنسي تطورا ملحوظا ذلك أن قانون 17 جويلية 1970 وضع في شكل شرط للتعويض أن يثبت المتهم أن الحبس المؤقت قد سبب له ضررا غير عادي وذو خطورة إستثنائية وفي الحقيقة فإن صور هذا الضرر المتمثلة في كونه "غير عادي وذو خطورة إستثنائية" هي عبارة عن الضرر الذي يرتب المسؤولية غير الخطئية في القانون الإداري والتي تم إعارة مبادئها للوصول إلى مسؤولية الدولة عن العمل القضائي.
ويبقى إثبات هذا الضرر على عاتق المدعى في دعوى التعويض فإذا لم ينجح في إثبات هذا الضرر رفضت اللجنة دعواه وأمام الإنتقادات الكبيرة التي وجهت لهذا الشرط فقد تدخل المشرع الفرنسي سنة 1996 بموجب القانون 96-1235 وعدل هذا الشرط بحيث أصبح بإمكان المدعى الحصول على التعويض بمجرد تضرره من الحبس المؤقت دون ضرورة إثبات أن هذا الضرر غير عادي وذو خطورة إستثنائية وهو في الحقيقة تطور كبير بحيث أصبح التعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر في التشريع الفرنسي تلقائي أي أنه يترتب كحق للشخص بمجرد صدور ضده أمر بالوضع رهن الحبس المؤقت غير مبرر، وعليه فقد أصبح التعويض حق وليس منح أو ضريبة تقدم للمدعي وأصبح الضرر بكل أنواعه مستحق للتعويض سواء كان ماديا أو معنويا وهكذا فقد أصبح الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وكذا لجنة التعويض ملزمين بتقدير قيمة التعويض عن الضرر المادي وعن الضرر المعنوي كلٍ على استقلال.
ويعتبر هذا التطور الحاصل في التشريع الفرنسي تكريس لقرينة البراءة وتدعيم للتطور الحاصل في ميدان حقوق الإنسان.
أما في التشريع الجزائري فإن نص المادة 137 مكرر من ق.إ.ج تنص على أنه يمكن أن يمنح للشخص تعويض إذا ألحق به الحبس ضررا ثابتا ومميزا.
الغموض قد ساد هذا النص؛ ذلك أن الباحث في هذه المادة يجد نفسه أمام عبارتين مبهمتين للغاية، فما معنى الضرر الثابت فهل هناك ضرر متحرك أو متغير وما معنى الضرر المتميز فهل هناك ضرر غير متميز وماهو المعيار الواجب الاستعمال للقول بأن هذا الضرر متميز وذلك غير متميز، ويبقى في رأينا أن المشرع لم يوفق تماما في إستعمال المصطلحات فقد كان قبولنا للنص يكون بأقل شدة لو أنه أخذ أحكام التعويض من حيث بدأ القانون الفرنسي بحيث يأخذ بالضرر غير العادي وذو الخطورة الإستثنائية دون أخذ بعين الاعتبار التطور الحاصل في مجال الضرر على النحو السالف الذكر،
غير أنه إبتعد كثيرا عن هذا وأخذ بالضرر الثابت والمتميز وهو الذي لا نجد له تفسيرا وفي هذا فإن المشرع الجزائري مدعو لتعديل نص المادة 137 مكرر لتغيير هاتين العبارتين في أول الأمر أو إلغائهما كلية مسايرة للتشريع المقارن.
الفرع الثاني: النتائج المترتبة عن الإخطار.
إن النتيجة المترتبة عن إخطار اللجنة هي أنها تختص بالنظر في طلب التعويض وإذا تم قبوله فإن ذلك يؤدي إلى منح تعويض للشخص تتحمله الخزينة العمومية.
ونشير إلى كيفية تقدير التعويض فكون جهة التعويض هي جهة مدنية فإن مسألة تقدير التعويض تخضع للمبادئ العامة في القانون المدني أي أن التعويض يخضع للسلطة التقديرية للقضاة أعضاء اللجنة وهي مسألة موضوعية تتعلق بصفة الشخص ووضعيته ومكانته ودوره الإجتماعي و أيضا المدة التي قضاها في الحبس.
ويثور التساؤل حول مدى إمكانية طلب تعيين خبير للقول بالضرر الذي لحق الشخص ومبلغ التعويض الذي يستحقه خاصة إذا تصورنا أن هذا الشخص مثلا يزاول عملا تجاريا كبيرا وقد أمضى مدة سنة رهن الحبس المؤقت فيطلب تعيين خبير لحساب ما كان يمكنه الحصول عليه من أرباح خلال تلك السنة في تجارته.
ويبقى هذا التساؤل بغير جواب في التجربة الحديثة الجزائرية للتعويض غير أنه في فرنسا فإن المطالبة بتقدير مبلغ التعويض عن طريق الخبرة أمر جائز، فالفقرة 02 من المادة 149 من ق.إ.ج إجازت للمدعي طلب تعيين خبير لإجراء تقويما شاملا لحجم الأضرار التي لحقت به وهذا أيضا أعتبره تطورا مهما قصد الوصول إلى تعويض الشخص تعويضا عادلا ومنصفا.
وبهذا نكون قد أنهينا دراسة إخطار اللجنة والأحكام العامة لهذا الإخطار، فبعد أن قلنا أنه كلما اختل أحد الشروط الإجرائية أو الموضوعية للحبس المؤقت أعتبر حبسا غير مبررا و انعقد إختصاص لجنة التعويض بنظر طلبات التعويض إذا توفرت شروط الإخطار أيضا الإجرائية والموضوعية فإننا نتساءل عن نقطة مهمة قبل قفل باب الدراسة في بحثنا هذا في جانب الاختصاص وهي تتعلق بجعل لجنة التعويض في التشريعين الفرنسي والجزائري تابعة لمحكمة النقض والمحكمة العليا الجزائرية رغم أن الدولة ممثلة في وزير العدل طرف في النزاع، فتطبيقا للمعيار العضوي المنصوص عليه في المادة السابقة من قانون الإجراءات المدنية كلما كانت الدولة طرفا في النزاع كان النزاع إداريا يخضع لإختصاص القضاء الإداري وتطبق قواعد القانون الإداري، غير أنه في دراستنا هذه يتضح أن الدولة هي طرف غير أن اللجنة تابعة للمحكمة العليا ولها طابع مدني بصريح النص وتبقى الدراسة مفتوحة في هذا الشأن وما يمكن قوله مبدئيا هو أن نص المادة 137 مكرر من ق.إ.ج هو إستثناء جديد وارد على نص المادة 07 من ق.إ.م.
الفرع الثالث:تقدير التعويض:
ورد في نص المادة 137 مكرر أنه يتم تعويض الشخص عما لحقه من ضرر ثابت و متميز.
و الملاحظ هو أن عبارة "ضرر" وردت بصفة عامة فلم تحدد لا الضرر المادي و لا المعنوي عكس المشرع الفرنسي الذي ينص صراحة على ضرورة تعويض الشخص عن الضرر المعنوي الذي يصيبه ويكون هذا التعويض مستقلا و منفصلا عن التعويض الخاص بالضرر المادي .
في التشريع الجزائري إذا و مع عمومية النص فلا يوجد ما يمنع اللجنة من تعويض الضرر المعنوي بل أن مباديء العدالة تفرض تعويض جميع أجه الضرر.
إن الضرر هو بذاته مناط تقدير التعويض و محله و الضرر نوعان ماديا و معنويا؛ المادي هو ما يصيب الشخص من ضرر يؤدي إلى المساس بجسمه أو ماله أو إنقاص حقوقه المالية أو بتفويت مصلحة مشروعة له تقدر فائدتها ماليا(1) من خلال هذا التعريف يبدو أن للضرر المادي و جهان أولهما يصيب الإنسان في سلامة جسمه و حياته و يعرف بالضرر الجسدي و الثاني يمس بحقوقه أو مصالحه المالية فيكون له إنعكاس على ذمته المالية و عليه فإن وضع الشخص رهن الحبس المؤقت يسبب له الوجه الثاني من أوجه الضرر المادي بمعنى أنه لا يصيبه في جسمه لأن الدولة مسؤولة عن سلامة المحبوسين بل يصيبه في ذمته المالية إذ أنه يعطله عن عمله بل يفقده إياه تماما و بالتالي فإن هذا الأخير يترك عائلته دون عول لإنعدام الدخل المالي كما أنه يتسبب في إفتقار ذمته المالية و لهذا فإن تعويضه يتم على هذا الأساس.
أما النوع الثاني فهو الضرر المعنوي و هو كل ضرر يمس الشخص في شعوره و كرامته و أحاسسه.
أما بالنسبة لتقدير التعويض فإن القانون لم يحدد معايير تقديره و لذلك فإن اللجنة ملزمة بمراعاة المعايير التي يقوم عليها التعويض وفقا للقواعد العامة و منها أن يكون الضرر اللاحق بالشخص مباشر و محقق و شخصي و أن يشمل ما لحقه من ضرر و ما فاته من كسب مع مراعاة مركز المحبوسين إجتماعيا و مكانتهم و مناصبهم و سمعتهم.
شاركنا بتعليقك...