مقدمة :
يعتبر عقد الكراء السكني والمهني من العقود التي لا تنتهي بانتهاء مدتها تحقيقا لمبدأ استمرارية العقود، إلا أن هذا لا يعني أن عقد الكراء مستمر إلى ما لا نهاية، بل هو عقد مؤقت بطبيعته قد ينتهي بالفسخ أو الانهاء. وقد نظم المشرع المغربي أسباب إنهاء وفسخ العلاقة الكرائية في القانون الجديد رقم 12.67، حيث أفرد لكل منهما بابا مستقلا.
ويقصد بالإنهاء هو تعبير المكري عن إرادته في حل العلاقة الكرائية لسبب من الأسباب المشروعة والجدية؛ أما الفسخ فهو جزاء قانوني يرتب حل العلاقة التعاقدية نتيجة عدم تنفيذ المكري للالتزاماته أو الاخلال بها، ولا يتقرر الفسخ بقوة القانون وإنما يجب أن تؤكد المحكمة بمقتضى حكم نهائي في الموضوع. وقد كان للقضاء الاستعجالي في إطار ظهير 5 ماي 1928 دورا بارزا في فض المنازعات المتعلقة بالكراء خصوصا دعاوي الافراغ، إلا أن المشرع عدل عن هذه المسطرة الاستعجالية وذلك بإحالة هذه المنازعات على قضاة الموضوع حسب ظهير 25/12/1980 وبالتالي اقتصر دور قاضي المستعجلات على التدخل في بعض الحالات كلما توفر عنصر الاستعجال المبرر للتدخل فيها باتخاذ اجراء وقتي مع حفظ مصالح المتعاقدين، وهذه الحالات هي التي نص عليها أيضا القانون الجديد 12.67 مع تفريد كل منهما بابا مستقلا وهي القضايا الهادفة إلى طرد الغير من المحلات المأجورة والقضايا التي تهدف إلى استرجاع المحلات المهجورة أو المغلقة إلى جانب قضايا عدم أداء الوجيبة الكرائية.
إلا أن القضاء الاستعجالي قد يتعدى قواعده المنصوص عليها في الفصلين 148 و149 من قانون المسطرة المدنية عند إصداره لبعض الأوامر القضائية التي تمس بجوهر الحق، بل الأكثر من ذلك يقوم في بعض الدعاوى بفسخ العقود الكرائية الأصلية تلقائيا وبقوة القانون، والتي عادة ما تكون من اختصاص محاكم الموضوع.
وانطلاقا مما سبق يمكن طرح الإشكالية التالية: ما هي حدود اختصاصات القضاء الاستعجالي فيما يتعلق بإنهاء وفسخ العلاقة الكرائية؟ وكيف تكون الأوامر القضائية الصادرة عن هذا القضاء سببا في إنهاء وفسخ العلاقة الكرائية؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا وضع التصميم التالي:
المبحث الأول: اختصاصات رئيس المحكمة الابتدائية في مجال تسريع وتيرة إنهاء وفسخ العلاقة الكرائية
المطلب الأول: حصول المكري على الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها
المطلب الثاني: سلوك المسطرة الاستعجالية لاسترجاع حيازة المحلات المهجورة او المغلقة
المبحث الثاني: إشكالية العقود الأصلية المفسوخة بقوة القانون
المطلب الأول: فسخ الكراء بقوة القانون في حالة التولية والتخلي
المطلب الثاني: فسخ العقد بقوة القانون بوجود الشرط الفاسخ
المبحث الأول: اختصاصات رئيس المحكمة الابتدائية في مجال تسريع وتيرة إنهاء وفسخ العلاقة الكرائية
تظهر الحاجة للقضاء الاستعجالي في الحالات التي تتعرض فيها الحقوق المتقاضين إلى خطر يمكن أن يؤدي إلى الضرر بها نهائيا، وقد نص المشرع في القانون 12.67 على حالات يتم اللجوء فيها إلى هذا القضاء الاستعجالي تفاديا لطول الإجراءات العادية للحيلولة دون تفاقم الضرر، كحالة عدم حصول المكتري على الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها (المطلب الأول) ثم استرجاع المكري لمحلاته المهجورة أو المغلقة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حصول المكري على الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها
يعتبر أداء أجرة الكراء والتكاليف التابعة لها من أهم الالتزامات التي يتحمل بها المكتري حسب المادة 12 من القانون 12.67 اتجاه المكري، وفي حالة عدم الوفاء بهذه الالتزامات يحق للمكري إثبات هذا التماطل في الأداء إما بسلوك مسطرة القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود أو سلوك مسطرة استيفاء الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها وفق إجراءات مبسطة وفي آجال محددة تخدم مصالح المكري والمكتري وهي المسطرة الاستعجالية المنصوص عليها في الباب الرابع من القانون رقم 12.67 والتي كانت منظمة من قبل بمقتضى القانون 64.99 لسنة 1999 قبل أن يحتضنه القانون الجديد، وتهدف هذه المسطرة بالأساس إلى تسريع وتيرة حصول المكري على مقابل الكراء في آجال قصيرة وتعتبر ظاهريا بعيدة كل البعد عن تسريع وتيرة إنهاء وفسخ العلاقات الكرائية[1].
وبالتالي يمكن للمكري أن يطلب من رئيس المحكمة في حالة عدم أداء الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها الاذن له بتوجيه إنذار بالأداء للمكتري مشفوعا بمحرر كتابي ثابت التاريخ أو حكم نهائي يحدد الوجيبة الكرائية بينهما كما نصت على ذلك المادة 22 من القانون رقم 12.67 إلا أن المواد 3 و 74 من نفس القانون ألغوا المقتضيات المنصوص عليها في المادة 22 حيث أنه يمكن للعقود الشفوية والعرفية الاستفادة من مقتضيات الباب الرابع حسب المادة 74 من القانون 12.67 وهو يعتبر امتيازا أعطاه المشرع لهذه العقود؛ مع تضمين هذا الإنذار مجموعة من البيانات الواجب إدراجها فيه تحت طائلة عدم القبول كما هو منصوص عليه في المادة 24 من القانون 12.67 مع تحديد أجل الإنذار لا يقل عن 15 يوما كحد أدنى يبتدئ من تاريخ تبليغه. وهذه المسألة تخدم صالح المكتري عكس المسطرة العادية التي تمنع للمكري وضع آجال قصيرة للأداء قد لا تتجاوز بضع ساعات في بعض الأحيان، وعند توصل المكتري بهذا الإنذار فإن المشرع حدد له طريقة تسديد ما عليه من المبالغ والتي لم ينص عليها من قبل عن طريق تسديدها مباشرة بين يدي المكري أو من ينوب عنه مقابل وصل، أو وضعها بحسابه البنكي أو بإيداعها بصندوق المحكمة أو بأي وسيلة تثبت الأداء وتاريخه، حتى لا يدعى المكتري أن المكري يمانع في قبض الكراء بذريعة بلوغ الافراغ. وفي حالة امتناع المكتري عن الأداء كليا أو جزئيا فإنه يكون بإمكان المكري أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية أن يصادق على الإنذار والأمر بالأداء[2]، إلا أن هذه الأوامر بالأداء التي يصدرها القضاء الاستعجالي باعتبارها من الأحكام القضائية ولها حجيتها قد طرحت اشكالا كبيرا بين الفقه الذي انقسم إلى رأيين: أحدهما يرى على أن هذا الإنذار المصادق عليه مع الامر بالأداء الذي هو أساس مسطرة استيفاء الوجيبة الكرائية من شأنه أن يثبت تماطل المكتري الذي توصل بالإنذار وهي حالة تسمح للمكري بفسخ عقد الكراء وما عليه سوى رفع دعواه مشفوعة بالإنذار المصادق عليه من أجل الافراغ[3].
أما الرأي الثاني فيرى على أن تماطل المكري كسبب من أسباب الافراغ لا يمكن أن يثبت بأوامر الأداء الصادرة في إطار مسطرة استيفاء الوجيبة الكرائية، فذلك موكول إلى قضاة الموضوع الذي يوازن بين الحجج ودفوع الطرفين بما يملك من الضمانات وتقدير أسباب الفسخ، والحقيقة أن الرأي الأول وإن بدا منطقيا ويوفر على المكري كثرة الإنذارات والمساطر فمن شأن تطبيقه جعل دور القاضي الاستعجالي مهيمنا في دعاوي الفسخ لعدم أداء الكراء مع قلة الضمانات التي يوفرها اللجوء إلى هذا القضاء للطرفين معا. وبمناسبة صدور القانون الجديد 12.67 وبعد احتضانه للقانون 64.99 فقد تم تعديل بعض المقتضيات من قبيل المادة 6 من القانون السابق حيث كانت تنص على أنه "ينفذ هذا الأمر على الأصل ولا يقبل أي طعن عادي أو غير عادي"؛ في حين أن المادة 27 من القانون الجديد لم تعد تنص على هذا المقتضى الأخير بل تنص فقط على أنه " ينفذ هذا الأمر على الأصل" أي أنه مشمول بالنفاذ المعجل مما يدل على أنه أصبح للمكتري الحق في الطعن بالاستئناف ضد هذا الأمر أمام محكمة الدرجة الثانية، في حين أن المكري ليست له هذه الامكانية بعد في حالة رفض طلب التصديق بل يبقى له فقط حق اللجوء إلى القواعد العامة، مما يكون معه المشرع قد خرج عن أبسط القواعد المتعارف عليها في مجال القضاء الاستعجالي في هذه الحالة وهو جواز الطعن بالاستئناف أمام محكمة الدرجة الثانية وليس طرح النزاع أمام المحكمة الابتدائية الشيء الذي يتعارض تماما مع الهدف الذي جاءت به هذه المسطرة[4].
المطلب الثاني: سلوك المسطرة الاستعجالية لاسترجاع حيازة المحلات المهجورة
او المغلقة
لقد كان إشكال فتح المحلات المغلقة واسترجاع المحلات المهجورة من القضايا التي تعرض على القضاء والتي لم يتطرق لها المشرع في مختلف القوانين المتعلقة بالكراء سواء في قانون الالتزامات والعقود المغربي او في ظهير 25 دجنبر 1980 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري للاماكن المعدة للسكنى او لاستعمال المهني المعدل والمتمم بالقانون الصادر في 25 غشت 1999 والمنسوخ بالقانون الجديد رقم 67.12 مما خلف فراغا قانونيا حاولت بعض المحاكم تجاوزه في اطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، الذي يتضمن بان رؤساء المحاكم الابتدائية يختصون وحدهم بالبث في اي اجراء مستعجل في اية مادة لم يرد بشأنها نص خاص و لا يضر بحقوق الاطراف.
ولسد هذا النقص ولأسباب اخرى، جاء قانون 67.12 وخصص لذلك الباب التاسع بأكمله حيث قسمه الى فرعين خصص الاول لمسطرة استرجاع المحل المهجور او المغلق من طرف المكري وخصص الثاني لاسترجاعه من طرف المكتري.
وهكذا، فقد حدد المشرع المغربي بشيء، من التدقيق وضعية اعتبار المحل مهجورا، والتي استوجب لذلك ان يظل مغلقا لمدة 6 أشهر على الاقل بعد اخلائه من طرف المكتري من جميع منقولاته واغراضه كليا او جزئيا او بعد غياب المكتري عن المحل وعدم تفقده من طرفه شخصيا او من يمثله، او بعد وفاة المكتري او فقدانه للأهلية القانونية او عدم تواجد الام الحاضنة المطلقة كطرف في العقد، ولا يعتبر المحل مهجورا مادام المكتري موفيا بالتزاماته ازاء المكري.
على هذا الاساس فقد بين المشرع المسطرة التي ينبغي سلوكها طيلة الدعوى في المواد من 59 الى 64 فتطرق اولا لمسطرة الاسترجاع المقدمة من طرف المكري والتي تكون بناء على طلب يقدم الى رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات مرفقا بالوثائق التالية:
1- العقد أو السند الكتابي المثبت للعلاقة الكرائية،
2- محضر معاينة واقعة إغلاق وهجر المحل المكتري وتحديد أمد الإغلاق،
كما أشار المشرع إلى مختلف الإجراءات التي يتم القيام بها طيلة الدعوى حيث يتم استدعاء المكتري في العنوان الوارد بالعقد او في اي وثيقة، وفي حالة تعذر ذلك يتم استدعاؤه في عنوان المحل المكتري، وهنا اوجب المشرع لكي يمكن الاستجابة لطلب الاسترجاع ان يتوصل المكتري شخصيا بالاستدعاء وعدم إدلاءه بأي جواب، وفي حالة تعذر توصل المكتري شخصيا فان الرئيس لا يبت في الطلب الا بعد اجراء بحث بواسطة الشرطة القضائية تحث إشراف النيابة العامة التنفيذ (المادتين 65.66).
وينفذ الأمر الاستعجالي باسترجاع الحيازة على الأصل، وينص على تطبيق مقتضيات الفصل 447 قانون المسطرة المدنية. بخصوص المنقولات التي توجد بالمحل ويقوم المكلف بالتنفيذ بتحرير محضر وضفي لها ويتم وضعها تحت تعهد المكري، ويجب ان ترد الى المنفذ عليه اوان توضع تحت تصرفه خلال اجل 8 ايام، فان رفض تسلمها بيعت بالمزاد واودع الثمن الصافي لدى كتابة الضبط، غير انه واثناء مسطرة التنفيذ قد يظهر المكتري او من يمتله او يقوم مقامه، ففي هذه الحالة يقوم المنفذ برفع الامر الى رئيس المحكمة او قاضي التنفيذ بمقتضى محضر اجباري، الذي له ان يصدر امرا في غيبة الاطراف بوقف التنفيذ، وقد يأمر بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه تلقائيا او بناء على طلب من المعني بالأمر .
وتبعا لذلك، فالمشرع المغربي لم يغلق الباب امام المكتري الذي قد تدفعه ظروفه الخاصة الى هجر المحل واغلاقه وتم الامر باسترجاع الحيازة من طرف المكري، بل وضع امامه امكانية تقديم طلب امام رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه بشرط اثبات اداء المبالغ الكرائية المترتبة بذمته وقبل مرور 6 أشهر على التنفيذ.
وفي حالة استرجاع المحل فانه لا يمكن مواجهة المكتري بالحقوق المكتسبة علة المحل المسترجع لفائدة الغير السيئ النية، ويبقى له الحق في المطالبة بإبطالها والتعويض عن الضرر المترتب عنها (المادة 70)
وفي حالة استحالة تنفيذ الامر بإرجاع الحالة جاز للمكتري او من يقوم مقامه المطالبة بالتعويض عن الضرر امام المحكمة المختصة (محكمة الموضوع).
وهكذا، نرى ان المشرع المغربي قد حسم النقاش الدائر حول استرجاع حيازة المحلات المهجورة او المغلقة، فبين الجهة المختصة والمسطرة المتبعة ثم مصير المنقولات الموجودة بالمحل، مما يبرز مظهرا جليا من مظاهر القوة في القانون الجديد رقم 67.12
المبحث الثاني: إشكالية العقود الأصلية مفسوخة بقوة القانون
بالرجوع إلى قانون 12.67 نجده قد خص تولية الكراء والتخلي عنه بمجموعة من المقتضيات القانونية وحدد الآثار الناجمة عنه المتمثلة في فسخ العقد بقوة القانون (المطلب الأول)، وقد يفسخ العقد بقوة القانون في حالة وجود شرط فاسخ (المطلب الثاني).
المطلب الأول: فسخ الكراء بقوة القانون في حالة التولية والتخلي
يقصد بالتولية أو ما يطلق عليها بالكراء من الباطن أو الكراء تحت اليد، أن يقوم المكتري الأصلي بكراء المحل الموجود تحث يده إلى شخص ثاني يسمى المكتري الفرعي، وبالتالي تصبح العلاقة الكرائية ثلاثية من جهة علاقة المكري بالمكتري الأصلي، ومن جهة أخرى علاقة هذا الأخير بالمكتري الفرعي.
أما التخلي فالمقصود به، هو أن يتنازل المكتري من حقه في الكراء لفائدة شخص أخر، أي أن هذه العلاقة تصبح بعد تنازل المكتري المتخلي علاقة ثنائية و مباشرة بين المكتري المتخلى له والمكري صاحب المحل المكتري[5]، يعتبر هذا السبب الذي ينتهي به عقد الكراء محل سكني او مهني سببا متميزا عن باقي الأسباب، ويظهر هذا الاختلاف في كونه لم يذكر لا ضمن أسباب الانهاء التي يلزم فيها توجيه أشعار الإفراغ للمكتري، ولم يذكر ضمن أسباب الفسخ المنصوص عليها في المادة 56 من القانون 12.67 والتي لا يلزم فيها المكري بسلوك مسطرة الإشعار بالإفراغ[6].
وعموما فانه من اجل الاستجابة للمطالبة بإفراغ المحالات السكنية والمهنية بناءا على التولية والتخلي لابد من توفر عنصرين: اعتمار الغير للمحل المكترى لأزيد من ثلاثة أشهر، أما العنصر الثاني هو انتفاء إحدى الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في الفصل 39 من قانون 12.67 بالنسبة للكراء السكني والمادة 40 بالنسبة للكراء المهني المتمثلة أساسا فيما يلي:
- إذا وافق المكري على ذلك،
- إذا ورد في عقد الكراء نص مخالف،
- التزام المتولي له أو المتخلى له باستعمال المحل أو المحلات المكتراة لمزاولة نفس
النشاط المهني الذي كان يزاوله بها المكتري الأصلي أو مزاولة نشاط مهني مماثل.
وبالتالي فالسبيل الوحيد الذي يملكه المكري في حالة ثبوت التولية او التخلي بصفة غير قانونية حسب المادة 43 من ق 12.67، هو اللجوء لقاضي الأمور المستعجلة لإصدار أمر بطرد المتولى او المتخلى له عن الكراء أو من يقوم مقامها باعتباره محتل بدون حق ولا سند، وبصدور هذا الآمر يصبح عقد الكراء مفسوخا[7].
ومنه يتبين أن لهذا النص أثرين، أولهما اعتبار الغير محتلا يجوز طرده بأمر استعجالي، ويمكن اعتبار طرد المحتل ثابت بمقتضى القواعد العامة التي تقضي بطرد كل محتل أجنبي لا علاقة له بالمكتري أو من له الحق في استعمال العين محل الكراء، وثانيهما اعتبار العقد منفسخا بقوة القانون والتي تتعارض مع القاعدة العامة المنصوص عليها في الفصل 259 قانون الالتزامات والعقود، والتي تقضي بان فسخ العقد لا يقع بقوة القانون وإنما يجب ان تحكم به المحكمة.
ويترتب عن طرد الغير من المحل المأجور بأمر استعجالي انفساخ العلاقة العقدية الأصلية بين المكري والمكتري[8].
كما انه في حالة وفاة المكتري يفسخ العقد بقوة القانون، ويعتبر كل شخص يوجد في المحلات المكتراة من غير الأشخاص المشار إليهم في المادة 53 والذين كانوا تحت كفالته بصفة قانونية، ويعيشون معه فعليا عند وفاته، محتلا بدون حق ولا سند وللمكري ان يطلب من قاضي المستعجلات إصدار أمر بطرده هو أو من يقوم مقامه.
فرغم الانتقادات الشديدة التي وجهت للمشرع في موضوع التولية والتخلي بمناسبة تعديله الفصل 19 من قانون رقم 6.79 بموجب القانون رقم 63.99 فهو لم يغير توجهه في قانون الكراء الجديد من خلال المادة 43، ويتضح ذلك على وجه الخصوص في منحه القضاء الاستعجالي اختصاص طرد المتولى له أو المتخلى له عن الكراء، وهو الحل الذي اعتبر خروجا عن الأصل في قواعد قانون المسطرة المدنية التي تفيد اللجوء للقضاء المستعجل بضرورة توفر عنصر الاستعجال وعدم المساس بالجوهر.
كما أن أمر الطرد لا ينحصر أثره في المتواجد بالمحل المكترى بغير سند او قانون، بل يتعداه الى العقد الأصلي الذي يفسخ بقوة القانون وهذا يعني ان قاضي المستعجلات بات مختصا بالحكم في فسخ عقد الكراء، رغم ان ذلك ليس من اختصاصه[9]؛ بحيث يصبح عقد التولية والتخلي وكذلك عقد الكراء الأصلي بمجرد صدور الأمر القضائي مفسوخين بقوة القانون، وذلك بغض النظر عن إرادة المكري والمكتري، فلم يعد من الممكن لجوء المكري الى التنفيذ العيني في حالة رغبته في الاحتفاظ بعقد الكراء بينه وبين المكتري، وذلك بطرد المحتل دون انهاء عقد الكراء[10].
المطلب الثاني: فسخ العقد بقوة القانون بوجود الشرط الفاسخ
يترتب عن تحقق الشرط الفاسخ انفساخ العقد بقوة القانون تلقائيا ومباشرة بعد تحققه، فقد يجري الاتفاق في الغالب بين المكري والمكتري على تضمين عقد الكراء شرطا بموجبه يفسخ العقد إذا تخلف المكتري عن الوفاء بالتزاماته، بحيث ينص الفصل 260 من قانون الالتزامات والعقود على انه " إذا اتفق المتعاقدان على ان العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء".
ويتحقق الشرط الفاسخ في مجال الكراء، بتغير صفة المكتري من صاحب السند المشروع في وضع يده على العين الى يد غاضب، ومن تم ينعقد الاختصاص في هذه الحالة الى القضاء المستعجل لإزالة هذا الغضب، وبطرد واضع اليد[11].
فمصطلح الفسخ إذا أطلقه المشرع انصرف مدلوله الى ذلك الأثر الذي يعترض العقد بعد قيامه فيزيله، ويرد الطرفين الى الحالة التي كان عليها قبل قيامه.
فإشكالية العقود الأصلية مفسوخة بقوة القانون بصفة عامة، اعتبرها أستاذنا عبد القادر العرعاري من عناصر الهشاشة والضعف في قانون 67.12 وذلك ما عبر عنه حينما قال "ان إشكالية اعتبار العقود الأصلية مفسوخة بقوة القانون هي معضلة أرهقت القضاء"، وذلك ان المسائل المتعلقة بفسخ العقود وانفساخها وإنهاء هذه العلاقات عادة ما تكون من مهام محاكم الموضوع ولا علاقة لها بالعناصر الاستعجالية، لأنه ليس هناك ما يدعوا الى ان نقوم بعملية فسخ العقد بطريقة تلقائية ومن طرف رئيس المحكمة الابتدائية الذي لا يملك هذه الإمكانية التي تؤدي إلى إنهاء العقد وفسخه بقوة القانون[12].
ختاما، فإذا كان القانون الجديد رقم 67.12 قد جاء بمجموعة من المزايا تؤخذ عليه فحدد بالتالي مجالات تدخل القضاء الإستعجالي في المنازعات الكرائية بين المكري والمكتري بشأن كراء المحلات المعدة للسكنى أو للإستعمال المهني، فحبذا لو قلص المشرع من المجالات المتاحة لهذا القضاء التدخل فيها، وذلك حماية لمصالح أطراف هذه العلاقة التعاقدية.
لائحة المراجع:
- عبد القادر العرعاري: عقد الكراء المدني طبعة 2011 دار الامان الرباط.
- عبد القادر العرعاري: الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة الكتاب الثاني عقد الكراء المدني طبعة 2011.
- حياة البراقي: مجلة قضاء محكمة النقض العدد 77 – 2014 – دراسة حول الانهاء والفسخ في ظل القانون رقم 12.67 المنظم للعلاقات التعاقدية بين الكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى او الاستعمال المهني، جامعة محمد الخامس السويسي الرباط.
- حياة البراقي:"الانهاء والفسخ في ظل قانون رقم 12.67 " مجلة قضاء محكمة النقض العدد 77 تاريخ الاصدار 2014
- عبد الرحمان الشرقاوي: "قانون العقود المسماة الكتاب الثاني العقود الواردة على منفعة الشيء عقد الكراء" الطبعة الاولى 2013
- عبد الرحمان الشرقاوي: العقود الواردة على منفعة الشيء، عقد الكراء طبعة 2013
- ادريس بلمحجوب: المائدة المستديرة الخامسة حول موقف التشريع والقضاء من المنازعات المتعلقة بعقود الكراء – مطبعة الامنية الرباط
- الحسين بلحساني: دعوى افراغ المحلات السكنية مسطرة الافراغ
الفهرس
مقدمة ........................................................................................... 2
المبحث الأول: اختصاصات رئيس المحكمة الابتدائية في مجال تسريع وتيرة إنهاء وفسخ العلاقة الكرائية ................................................................................. 4
المطلب الأول: حصول المكري على الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها ............... 4
المطلب الثاني: سلوك المسطرة الاستعجالية لاسترجاع حيازة المحلات المهجورة او المغلقة ... 6
المبحث الثاني: إشكالية العقود الأصلية المفسوخة بقوة القانون ............................. 8
المطلب الأول: فسخ الكراء بقوة القانون في حالة التولية والتخلي .......................... 8
المطلب الثاني: فسخ العقد بقوة القانون بوجود الشرط الفاسخ ............................. 10
خاتمة .......................................................................................... 11
[1] - د. حياة البراقي: مجلة قضاء محكمة النقض العدد 77 – 2014 – دراسة حول الانهاء والفسخ في ظل القانون رقم 12.67 المنظم للعلاقات التعاقدية بين الكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى او الاستعمال المهني، جامعة محمد الخامس السويسي الرباط ص 520.
[3] - ادريس بلمحجوب: المائدة المستديرة الخامسة حول موقف التشريع والقضاء من المنازعات المتعلقة بعقود الكراء – مطبعة الامنية الرباط ص 20.
[5] عبد الرحمان الشرقاوي: "قانون العقود المسماة الكتاب الثاني العقود الواردة على منفعة الشيء عقد الكراء" الطبعة الاولى 2013. ص 174
[6] حياة البراقي:"الانهاء والفسخ في ظل قانون رقم 12.67 " مجلة قضاء محكمة النقض العدد 77 تاريخ الاصدار 2014 ص520
[8] عبد القادر العرعاري: " الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة الكتاب الثاني عقد الكراء المدني طبعة 2011 ص 164
[12] مداخلة القاها استاذنا عبد القادر العرعاري بمناسبة تكريم الاستاذة عائشة الشرقاوي المالقي، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط 13 نونبر 2014 غير منشورة.
شاركنا بتعليقك...