جريمة غسيل الاموال |
تمييز جريمة غسيل الاموال عن باقي الجرائم
ان نشاط غسيل الاموال اضحى يشكل جريمة مستقلة تتميز عن غيرها من نشاط الجرائم الجنائية التقليدية , حيث ان الطبيعة القانونية لجريمة غسيل الاموال هو انها من الجرائم التبعية تقام على اساس من اموال غير مشروعةتكون محلاً للجريمة.
مما يؤكد ان محل الجريمة ينفصل في قيام جريمة غسيل الاموال عن الجريمة الاصلية التي نشأ المال عنها
(اكثر الاوصاف التي يمكن من خلالها وصف جريمة غسيل الاموال انها جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجًا لمآزق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالاً باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والإتجار بالبشر وانشطة الفساد المالي . (1)
سؤال؟ قد يتعارض قانون غسيل الاموال مع قانون مكافحة الارهاب وقانون الجريمة العادية ( القانون الجنائي ) في جريمة جنائية تعرضت الى الاموال العامة عن طريق الرشوة والاختلاس وتبيض الاموال المسروقة داخليا او خارجيا عن طريق المصارف والمعاملات المصرفية الاعتيادية؟ وقد تقع جريمة عن فعل ارهابي ضد اموال وممتلكات ومرافق الدولة بتمويل اموال خاصة نقلت عن طريق المصارف بصورة مشروعة لدعم تنفيذ هذه الجرائم الارهابية .؟
اي قانون يكون الانسب للتطبيق بحق الفاعلين لها؟
سؤال ؟ من هم الاشخاص الذين يتعاملون مع هذه الجرائم وتنفيذها , وما هي مسؤولياتهم كل حسب دوره في اداء الافعال ذات العلاقة با رتكابها واكمال الاعمال اللازمة لاكمالها واتمامها .في جرائم غسيل الاموال وجرائم الرشوة وا لاختلاس والجرائم الارهابية مهما كانت نوعها ؟ وما هي طبيعة العلاقات بين الفاعلين والمساهمين والمتعاونين معهم ومسؤولياتهم الجنائية ؟ فبل الاجابة على السؤال لابد من البحث في المطالب التالية :-
المطلب الاول
-التمييز بين جريمة عسيل الاموال وبين جريمة اخفاء الاموال المتحصلة عن جريمة جنائية.
تمييز جريمة غسيل الاموال |
يبرز وبصورة واضحة الفرق بين الجريمتين :- ان جريمة غسيل الاموال تنصب على مال متحصل من احدى الجرائم الواردة في نص المادة الرابعة من قانون غسيل الاموال رقم 93- لسنة-2004
وان ياتي الجاني على المال محل الجريمة يشكل الاساس لصور السلوك الاجرامي المنصوص عليها في المادة 3 من القانون ذاته بقولها ((كل من يدير او يحاول ان يدير تعامل مالي يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عرافا بان المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني او كل من ينقل او يرسل او يحيل وسيلة نقدية او مبالغ تمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفا بان هذه الوسيلة النقدية او المال يمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني)) .
اما جريمة اخفاء الاشياء المتحصلة عن جريمة فان المال ينحصر بالمال المتحصل عن جناية دون غيرها وان فعل الاخفاء يتحقق بمجرد قيام المتهم بتسلم الشيء المتحصل من الجناية ودخوله في حيازته وفعل الاخفاء كما هو معروف في القانون (( فبمجرد استلام الجاني للشيء المسروق مع علمه بسرقته يكفي لتوفر عنصر الاخفاء ولا يشترط في ذلك ان تكون الحيازة بنية التملك)-قرار محكمة جنايات الكرخ الرقم 93-ج-1998- في 6-4-1998-(2)
وهذا القرار يشير الى ان القضاء العراقي يكتفي بمجرد دخول المال المتحصل عن جريمة في حيازة الجاني مع اشتراط علمه بكون المال متحصل عن جناية لمعاقبة الجاني عن جريمة اخفاء مال متحصل من جريمة. .
اما اوجه الاتفاق بين الجريمتين -
فهي ان المال المتحصل في كلا من الجريمتين هو مال متحصل عن عمل غير مشروع سواء كان المال متحصلا عن جناية محددة او بشكل عام كما ان العنصر المفترض في كلا الجريمتين هو الجريمة التي نشا عنها المال غير المشروع ,
والقصد الجنائي العام هو واحد في كلا الجريمتين والفرق في هذا الخصوص هو استلزام قصد خاص في جريمة غسيل الاموال بعكس جريمة اخفاء اشياء متحصلة من جناية حيث انه يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة اخفاء الاشياء المسروقة ان يكون المتهم عالما بان الشي الذي يخفيه مسروق بغض النظر عن الباعث الذي يكون قد دفعه الى الجريمة فمتى اثبت الحكم على المتهم انه حاز المسروق مع علمه بسرقته فلا يجديه ما يدعيه من انه لم يقصد غشا او اضرارا بالغير-
المطلب الثاني
تمييز حريمة غسيل الموال عن جريمة تمويل الارهاب
اما الجريمة الاخرى التي تتداخل مع جريمة غسيل الاموال في القانون العراقي فهيجريمة تمويل الارهاب وعلى الرغم من ان قانون غسيل الاموال دمج وفي مواضع كثيرة بين الجريمتين الا ان الفرق بين الجريمتين هو فرق واضح ،
بينت المادة الأولى من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 بعنوان تعريف الإرهاب والتي جاء فيها ((كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد او جماعات او مؤسسات رسمية او غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة او الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني او الاستقرار او الوحدة
الوطنية او إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس او إثارة الفوضى تحقيقا لغابات إرهابية )) ومن ثم فالركن المادي يتحقق في هذه الجريمة بالصور الاتية:- :
- 1- تسليح المواطنين العراقيين ويتم ذلك بتزويدهم بالسلاح اللازم للحرب الاهلية .
- 2-تحريضهم وحملهم على التسلح دون النظر في نوع السلاح او عدد المسلحين والضغط عليهم وتشجيعهم على الفتنة سواء بالخطب او الفتاوى لحمل السلاح في مواجهة الفئة الاخرى من المجتمع.
- 3-تمويل المواطنين لغرض التسلح لمحاربة الفئة الاخرى ويتم لك اما مباشرة او بتحويل الاموال الى أي جهة اخرى لها علاقة بعملية التسلح لاثارة الفتنة او الحرب الاهلية,
ما نصت عليه المادة 4 بفقرتها 2 من قانون غسيل الاموال النافذ بقولها((– التمويل الارهابي – كل من يقدم , او يدعو شخص اخر لتقديم , مال او دعم او تمويل او خدمات اخرى ذات صلة بذلك , قاصدا استعماله او عارفا انها من المحتمل ان تستعمل كلا او جزءا – عمل او امتناع يقدم فائدة الى جماعة ارهابية))
التعارض بين قانون غسيل الاموال وبين قانون مكافحة الارهاب
وان النص على هذه الجريمة في قانون غسيل الاموال يثير مسالة تعارض النصوص في حكم المسالة الواحدة لذا وكون قانون مكافحة الارهاب قد صدر في عام 2005 وقانون غسيل الاموال قد صدر بتاريخ 2004 واعمالا للقواعد العامة التي تصدت لهذه المسالة فان جريمة غسيل الاموال تكون محكومة بقواعد قانون الارهاب الا ان المسالة تحتاج الى وقفة عند طرح الفرض الاتي بان ترتكب جريمة تمويل الارهاب من حصيلة اموال تم غسيلها أي استعمال العوائد الناجمة عن غسيل الاموال في تمويل جريمة ارهابية..
وفي هذه الحالة تكون العقوبة على جريمة غسيل الاموال دون جريمة تمويل الارهاب بموجب قانون غسيل الاموال ويكون نص المادة 4 بفقرتها الثانية معطلا بوجود نص المادة الثانية من قانون مكافحة الارهاب التي تعاقب عن جريمة تمويل الارهاب كنشاط ارهابي يمثل نشاطاً اجرامياً كعنصر من عناصر الركن المادي في الجريمة الارهابية ولكن ارى انه من الاجدى بالمشرع ان يخصص لجريمة تمويل الارهاب نظاماً قانونياً يكفل مكافحتها بان يضمن ايقاع الجزاء الوارد في قانون غسيل الاموال كون العقوبة تكون من *** الفعل الجرمي وان تتبنى العقوبة الورادة في قانون مكافحة الارهاب وهي الاعدام لما تمثله هذه الجريمة من خطر يهدد حياة الابرياء واموالهم) (3)القاضي رائداحمد حسن –نفس المصدر اعلاه
معيار التفرقة بين القانونين في التطبيق
عندما تتبنى الجماعات الارهابية جريمة غسيل الاموال في سبيل الحصول على موارد تغطي نشاطاتها الارهابية وتمولها , فهل نكون امام جريمتين تتمثلان بغسيل الاموال وتمويل ارهاب ام جريمة واحدة هي جريمة ارهابية ؟
لابد من مراجعةاحكام المادة 132 من قانون اصول المحاكمات الجزائية أي ان تعدد الافعال الجرمية يجمع بينها وحدة الغرض أي ان الغرض من جريمة غسيل الاموال كان الحصول على عائدات بقصد توظيفها في تمويل عمليات ارهابية ويعاقب الجناة حينئذ عن جريمة ارهابية.
المطلب الثالث
مسؤولية الفاعلين والمساهمين في الجريمة
مسؤلية ا المساهمين في هذه الجريمة كل عن فعله وحسب علمه عن حقيقة مصدرالاموال والغاية الاساسية من توديعها في المصرف ,- 1- اذ كان الموظف المصرفي يعلم بالقصد الجرمي من ايداعها فانه يسأل عن ذات الجريمة المرتكبة اذا كان الغاية غسيل اموال متحصلة من جريمة عادية لغرض تبيضها واعادة تداولها بطرق مشروعة في عمليات مصرفية مختلفة وجعلها كانها مشروعة يضفى عليها طابع الشرعية , فيسال عن المساهمة في جريمة غسيل اموال من خلال ما يقومه من اعمال مصرفية لتبيض نلك الاموال غير المشروعة المتحصلة من جريمة جنائية .لاخفاء حقيقة مصدر المال والتمويه عن اشخاصه .
- 2-او يسال عن جريمة ارهابية اذا ما كان يعلم بان هذا المال هو مخصص لتمويل ارتكاب جريمة ارهابية.
- ( الموظف المصرفي الذي يقصر في بذل العناية اللازمة في التحري عن الاموال المودعة والوارد بنص المادة الرابعة من قانون غسيل الاموال بقصد المساهمة في جريمة غسيل الاموال دون أي يعلم بان هذا المال سيستخدم بعد ذلك في تمويل جريمة ارهابية فلا يسال الا عن جريمة غسيل الاموال دون الجريمة الارهابية,)(4) القاضي رائد احمد حسن
- 3-او يسال عن التقصيروالاهمال في اداء واجبه في غير الاحوال المذكورة اعلاه.يشكل القصد بالجنائي ركنا اساسيا لمعرفة اي جريمة يمكن ان يخضع لها الجناة الفاعلين والمساهمين للمعاقبة وفق احكام قانونها لاساسي ( قانون غسيل الاموال ام قانون الارهاب) كل حسب دوره فيها من علمه او عدم علمه بحقيقة الفعل الذي يقوم به لاتمام عملية جريمة غسيل الاموال.
- 4- كذلك الحال عن مسؤولية كل مساهم في هذه الجريمة حسب علمه بها وبالقصد الجنائي من ها ومن دوره فيها لاي فعل متمم لها ومساعد لها ابتداءا من تحصيل تلك الاموال من جريمة جنائية حتى اكمال اجراءات تبيضها واعادة تداولها كانها اموال مشروعة.
ويتضح مما تقدمفان غسيل الاموال ((عملية تحويل الاموال المتحصلة من انشطة جرمية بهدف اخفاء او انكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الاموال او مساعدة أي شخص ارتكب جرما ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم)-(4)
وعلى هذا الاساس ان غسيل الاموال ما هو الا عملية تتيح لجماعات الاجرام المنظم وغيرهم من مرتكبي الجرائم التي تدر عائدا ماليا التسلل داخل المؤسسات المالية والتجارية والصناعية المشروعة سواء في داخل الدولة او خارجها لتوظيف واستثمار اموالها المستمدة من انشطتها الاجرامية فبوجود مثل هذه المشاريع المشروعة يتاح لهم ستر اعمالهم غير المشروعة وتمويه مصدر الاموال الموظفة فيها
لذلك تعد جريمة غسل الاموال قضية وطنية وعالمية مهمة وخطيرة على الوضع الاقتصادي العالمي والمحلي في مجال التعامل المصرفي والتجارة والاستثمارات الاجنبية في الدول النامية خاصة ومهمة من اثارها الاجتماعية والامنية المؤثرة في استقرار حياة المجتمع وامنهم وسلامة عيشهم وامن الدولة وسلامة استقرار نظامهما وتقدمها وتطورها .
المحامي فاروق العجاج
شاركنا بتعليقك...