العَوارُ لغـةً، هو العيبُ في العين، كالعقارِ ونحوه، وهو مشتقٌ من العَور لما يصيبُ العين البشريّة المُبصرة من رمـدٍ وغيره فيعطّل عملها، كما يستخدم في كثيرٍ من اللغات بمعنى الحادثة أو العطب، أي أنه يطلق على اسم المعنى بدل أسم الذات في اللغةِ العربيّة.
وهو في الاصطلاح القانوني، عدم استيفاء النصوص التشريعيّة لأوضاعها الشكليّة والموضوعيّـة، ومخالفتها لقاعدةٍ أو أكثر في القانون الأساسي للدولة/ الدستور.
فالدُستور، وهو مصطلـحٌ ليس من مفردات اللغة العربيّة، ولم تذكره القواميس العربية القديمة، بل جاء من اللغة الفارسية، وهو مركّبٌ من كلمتين: (دست) بمعنى القاعدة، و(وَر) أي صاحب، ودخل اللغة العربية عن طريق اللغة التركية التي تُعرّف الدستور بأنه التأسيس أو التكوين أو النظام، والقاعدة التي يُعملُ بمقْتضاها.
وهو في الاصطلاح القانوني المعاصر: مجموعةُ القواعِد الأساسيّة التي تُبيِّن شكل الدولة ونظام الحُكْم فيها ومدى سلطتها إزاءَ الأَفراد، بوصفه القانون الأساسي للدولة المشتمل على مجموعة قواعد تبيّن طريقة تنظيم السلطات العامة وارتباطها ببعضها البعض، وحدود اختصاص كل منها، وتقرير ما للأفراد من حرّيات عامة، وحقوق إزاء الدولة.
كما يعرّفه فقهاء القانون الدستوري بأنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظّمة لسلطات الدولة والمُبيّنة لحقوق الحكّام والمحكومين، وشكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وشكل الحكومة وتكوينها، واختصاصاتها، وكذلك، العلاقات بين السلطات الثلاث فيها (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وحدود كل سلطة منها.
ولمّا كان الدستور كما أسـلفنا هو مجموعةُ القواعِد الأساسيّة، أو القانون الأعلى في الدولة، فهو يسمو على كافّة ما عداه، ولا يعلوه قانون آخر؛ وهذا السموّ على نوعين: موضوعيٌ وشكليّ، يكرّس مبدأي المشروعيّة وتدرّج القواعد القانونية المنصوص عليها في التشريعات النافذة، والموجب لخضوع القاعدة الأدنى درجة للقاعدة الأعلى منها درجة، وهو ما نقصد به بالسمو الشكلي، الذي يفرضُ على الحكّام والمحكومين احترام الدستور وقواعده، وينظّم الرقابة القضائيّة على دستورية القوانين.
وحيثُ أن الدستور ليس سوى شكل من أشكال القانون، فمن الطبيعي أن يقع البعض في سوء فهم، أو تصوّر خاطئ لمعانيه ومراميه، مما ينجم عنه خلافات بالاجتهاد حول مدى دستورية تشريع أدنى درجة من قواعده.
من هنا، لجأت غالبية الدول إلى تضمين دساتيرها المكتوبة نصوصاً صريحة تقضي بإنشاءِ المحاكم الدستوريّة، يُعهد إليها بحل النزاعات حول دستورية القوانين والتشريعات وتكون قراراتها غير قابلة للطعن، وتكتسب درجة النهائيّة والبتات والحجيّة بما قضت به، وهو ما تضمنه القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل بالمادة (103) منه، والتي نصّت على تشكيل محكمة دستوريه عليا بقانون، تتولى النظر في دستوريّة القوانين واللوائح أو النظم وغيرها، وتفسير نصوص القانون الأساسي والتشريعات، والفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية وبين الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، على أن يبيّن القانون طريقة تشكيلها، والإجراءات الواجبة الإتباع أمامها، والآثار المترتبة على أحكامها.
كما جاء بالمادة (104) التالية، تولّي المحكمة العليا مؤقتاً كل المهام المسندة للمحاكم الإدارية والمحكمة الدستورية العليا ما لم تكن داخله في اختصاص جهة قضائية أخرى وفقاً للقوانين النافـذة.
ختاماً، نشيرُ إلى اجتهاد المحكمة الدستورية المصريّة العليا رقم 153 لسنة 21 قضائية/ دستورية بجلسة 3 حزيران/ يونيو 2000م، والذي جاء فيه "حيث إنه من المقرر - وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - أن التحقّق من استيفاءِ النصوص القانونيّة لأوضاعها الشكليّة يعتبر أمراً سابقاً بالضرورة على الخوضِ في عيوبها الموضوعيّة، ذلك أن الأوضاع الشكليّة للنصوص القانونية هي من مقوماتها، لا تقوم إلا بها ولا يكتمل بنيانها أصلاً في غيابها، وبالتالي تفقد بتخلفها وجودها كقاعدة قانونية تتوافر لها خاصيّة الإلزام؛ ولا كذلك عيوبها الموضوعية، إذ يفترض بحثها - ومناطها مخالفة النصوص القانونيّة المطعون عليها لقاعدة في الدستور من زاوية محتواها أو مضمونها - أن تكون هذه النصوص مستوفية لأوضاعها الشكليّة. ذلك أن المطاعن الشكليّة - وبالنظر إلى طبيعتها - لا يتصور أن يكون تحرّيها وقوفاً على حقيقتها، تالياً للنظر في المطاعن الموضوعيّة، ولكنها تتقدمها، ويتعيّن على المحكمة الدستورية العليا أن تتقصّاها - من تلقاء نفسها - بلوغاً لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها منحصراً في المطاعن الموضوعيّة دون سواها، منصرفاً إليها وحدها، ولا يحول قضاء هذه المحكمة برفض المطاعن الشكليّة دون إثارة مناحٍ موضوعيّة يُدّعى قيامها بهذه النصوص ذاتها، وذلك خلافاً للطعون الموضوعيّة، ومن ثم يكون الفصل في التعارض المدّعى به بين نصٍ قانونيٍ ومضمون قاعدة في الدستور، بمثابة قضاء ضمني باستيفاءِ النصّ المطعون فيه للأوضاع الشكليّة التي يتطلبها الدستور فيه ومانعاً من العودة لبحثها.
بقلم: المسـتشار/ أحمـــد المبيض
شاركنا بتعليقك...