-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

المؤسسات السياسية و الادارية في الجزائر


محاضرات مقياس المؤسسات السياسية و الادارية في الجزائر _ الجيلالي اليابس - جامعة سيدي بلعباس-
[إن نشأة الدولة بمفهومها القانوني تقتضي وجود سلطة يخضع لها جميع أفراد الجماعة و بالتالي توجد دولة لا تملك سلطة على رعاياها و السلطة في النهاية ترد إلى إرادة الأمة و لا يقر بمشروعيتها إلا إذا كانت مستمدة من هذه الإرادة و عليه فإن الحديث عن السلطة من جانبها المؤسساتي و الإداري لأمر بالغ الأهمية بالنظر إلى ما يحمله من أفكار و تصورات طالما شغلت الباحثين و المفكرين غير أن الحديث عن المؤسسات السياسية والإدارية في الجزائر لأمر يستحق الدراسة بعناية كبيرة و ذلك من منطلق ما أثير حولها من تساؤلات خصوصا من الجانب ألممارسي التطبيقي أو العملي.
-التطور المؤسساتي ما قبل 1996:
إن الجزائر و خلافا لبعض الدول المستعمرة عرفت فراغا مؤسساتيا حيث لم تعرف وجود مؤسسات وطنية سابقة على الاستعمار و هكذا فإنه عقب الاستقلال أوكلت مهمة تحضير الوثيقة الدستورية إلى ندوة الإطارات و قدم الدستور في شكل اقتراح قانون إلى البرلمان للموافقة عليه ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي و بذلك أقــر دستور 1963 الذي تميز بجمعه تقليد المؤسسات السياسية الغربية من خلال برلمان منتخب و تبني مسؤولية الحكومة أمام البرلمان و قد أرسى دستور 1963 دعائم قوية لمركز رئيس الجمهورية لإعطاءه صلاحيات جد واسعة. كما أسس هذا الدستور لفكرة الأحادية الحزبية التي تمثلت في جبهة التحرير الوطني بدعوى المحافظة على الوحدة الوطنية. و إذ كان تم توقيف العمل بهذا الدستور لفترة وجيزة على تبنيه وفق مبررات مرتبطة بالوضع على الحدود الغربية إلا أن هذا شكل جوا متميزا بعدم الاستقرار الأمر الذي انتهى إلى التصحيح الثوري
بعد 19جوان 1965 دخلت المؤسسات السياسية في الجزائر مرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة فتم الرجوع إلى الشرعية الثورية، و هكذا انتقلت السلطة إلى مجلس الثورة بموجب الأمر 10جويلية 1965، و بالتالي طغت المؤسسات المنبثقة عن حركة 19جوان ممثلة في مجلس الثورة و مجلس الوزراء، إلا أن العودة إلى الشرعية الدستورية كانت ضرورة حتمية عجلت بظهور دستور 1976 و فيه اخذ مفهوم الدولة معنى جديد فهي السلطة و النظام و وحدة الشعب، وهكذا وضع حد للشرعية الثورية و اتجهت السلطة إلى بناء نظام سياسي ينشئ مؤسسات دستورية تنمي المشاركة السياسية و بالنتيجة تكريس نظام سياسي مد ستر و بالتالي صدر الميثاق الوطني.
الأول ذو طابع سياسي إيديولوجي رئاسة الدولة
الثاني يعتبر تكريسا قانونيا للأول و الذي بموجبه تم إنشاء مؤسسات سياسية جديدة المجلس الشعبي الوطني.
إلا أن الوضع الجديد الذي ميز بناء المؤسسات بعد 1976 و الذي كان ينبغي أن يتبع بموجة أخرى من الإصلاحات التي تدعم و تقوي بشكل اكبر هذه المؤسسات الجديدة و قد كان أول تعديل للدستور سنة 1976 الذي مس: الجهاز التنفيذي الذي عرف توسيعا كبيرا للصلاحيات التي يمارسها رئيس الجمهورية لمراجعة باقي المؤسسات السياسية يتبع مسار الإصلاح الدستوري بتعديل أخر بإنشاء مجلس المحاسبة، إلا أن هذه الإصلاحات أدت في النهاية إلى تردي الأوضاع من الجانبين الاقتصادي و السياسي خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية و هو الأمر الذي عجل بانفجار الوضع سنة 1988 .
و هذه الإصلاحات مست الجانب المؤسساتي حيث استحدث منصب رئيس الحكومة و تبنى الثنائية القطبية للجهاز التنفيذي و تم إلغاء المادة 111 من دستور 1976 و التي تنص على ان رئيس الجمهورية يجسد وحدة القيادة السياسية للحزب و الدولة و كرست الأمر في 23فيفري 1989.
هذا الدستور جاء ليعبر عن نظام مؤسسي جديد قاعدته سيادة الشعب و يهدف إلى إرساء نظام ديمقراطي عن طريق انتخاب الشعب لممثلي في ظل التعددية الحزبية.
إلا أن دستور 1989 اخفق في تنظيم الحياة السياسية من النقلة المفاجئة التي عرفتها البلاد لاعتناقها لنظام كان أساسه الاشتراكية إلى تنظيم ليبرالي مختلف تماما على ما كان عليه الأمر في السابق كل ذلك هيأ لازمة دستورية سنة 1992 نتجت عنها استقالة رئيس الجمهورية و تزامنها مع حل المجلس الشعبي الوطني فحلت محلها مؤسسات انتقالية توزعت على فترتين هما: 1992-1994/ 1994-1997.
الا ان الرغبة للعودة الى الشرعية و المسار الديمقراطي كانت بادية من توجه السلطة سنة 1994 فقلصت المرحلة الانتقالية الثانية و انتخب رئيس الجمهورية و تم عن ذلك مباشرة ثورة قانونية في تاريخ الجزائر انتهت بتبني دستور 1996 الذي كان ثمرة حوار جدي مع مختلف التشكيلات السياسية و الحزبية لينهي المرحلة الانتقالية باعادة انتخاب المجلس الشعبي الوطني و سنة 1997 بتقاسم العملية التشريعية مع مجلس اخر هو مجلس الامة و تكريس الثنائية القطبية و تبني مبدأ الازدواجية القضائية و بالتأسيس للقضاء الاداري المستقل عن القضاء العادي.
المــــــــــؤسسة التــنفيــــــــــــــذيــــــــة:
ان المتمعن للفترات الدستورية التي شهدها النظام السياسي الجزائري يصل الى نتيجة مفادها ان المؤسسة التنفيذية هي اقوى مؤسسة سياسية في البلاد حيث احتلت المركز الموجه و المهيمن و كان لها دور مؤثر في عملية التحول نحو التعددية السياسية و اصبحت في ظل الاصلاحات السياسية مزدوجة التكوين (رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة) و التساؤل الذي يطرح حول مركز رئيس الجمهورية و مكانته في النظام السياسي الجزائري وعلاقته بالحكم.
أ-مؤسسة رئاسة الجمهورية:
احتل رئيس الجمهورية على امتداد الفترات الدستورية التي عرفتها الجزائر انطلاقا من دستور 1963-1976 انتهاءا بدستور 1996 مكانة بارزة و متميزة استمدها خصوصا من طريقة اختياره من جهة و السلطات المخولة له من جهة اخرى و كذلك الوسائل السياسية التي طالما عززت من موقعه الى جانب الوسائل القانونية التي اكدتها النصوص و التي مكنته من الحفاظ على مركزه السامي على كل المؤسسات، فالدساتير الجزائرية المتعاقبة منذ الاستقلال اجمعت على انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري من بين مجموعة من المترشحين وفق شروط حددها الدستور والقانون معا على ان يتم الفوز بالحصول على الاغلبية المطلقة من اصوات الناخبين المعبر عنهم و قد وضع الدستور الجزائري مقابل ذلك مجموعة من الشروط التي ينبغي توافرها في اي مواطن جزائري حتى يتسنى له خوض غمار الرئاسيات ومن جملة هذه الشروط ان يكون: (انظر الدستور الجزائري).
بالاضافة الى هذه الشروط الدستورية حددت ايضا شروط قانونية من اهمها:
ان يجمع المواطن الراغب في الترشح لرئاسة الجمهورية 600 توقيع لاعضاء منتخبين في المجالس المنتخبة وطنية أو ولائية أو بلدية أو 75 ألف من توقيعات المواطنين موزعة على 25 ولاية على ان لا يقل عدد الموقعين عن 1500 موقع لكل ولاية شانها في ذلك شأن الحالة الاولى.
اما بالانتقال الى صلاحيات رئيس الجمهورية في الحالات العادية فهم يتمتع بمركز مرموق يعلو فوق جميع المناصب السياسية في الدولة و يلعب الدور الرئيس قي توجيه شؤون الحكم فيه اذ جاء الى منصبه بانتخابات صوت له اغلبية الشعب فيها لذلك يعتبر رئيس الجمهورية الممثل الاول للشعب و المعبر عنه و رعاية مصالحه و تحقيق اهدافه و الساهر على حماية استقلال دولته و يكون من الطبيعي اذن ان يتمتع هذا الرئيس المنتخب من الشعب بسلطات هامة وعليه باعتباره حامي الدستور و مجسد وحدة الامة و مجسد الدولة داخلها و خارجها، فانه يتمتع بصلاحيات واسعة جدا في المجالين الداخلي والخارجي.
و من هنا فالصلاحيات التي يمارسها داخليا هي انه يتولى القيادة العامة للقوات المسلحة و مسؤولية الدفاع الوطني فهو همزة الوصل بين عديد من الهيئات الامنية والعسكرية وهو رئيس المجلس الاعلى للامن و هو الهيئة الامنية المنصوص عليها في المادة 173 كما يملك رئيس الجمهورية صلاحية التعيين بالوظائف العسكرية دون قيد، كما يتولى رئيس الجمهورية مسؤولية الدفاع الوطني و هو ما تجسد خلال جمع رئيس الجمهورية بين منصبه و منصب وزير الدفاع الوطني، كما منح الدستور له رئاسة مجلس الوزراء الذي يباشر عدة مهام كدراسة مشاريع القوانين قبل عرضها على البرلمان و كذا المصادقة على المراسيم التي تصدر في مجلس الوزراء كما يستمع لمجلس الوزراء في الحالات الاستثائية و بالمقابل منح الدستور لرئيس الجمهورية صلاحية الاعتراض على القوانين المتأتية من المجلس الشعبي الوطني على انه يمكن له ان يطلب اجراء المداولة الثانية على قانون تم التصويت عليه من طرف البرلمان او بين دورتيه.
كما يرأس المجلس الاعلى للقضاء و هو الامر الذي اعتمدته العديد من الدساتير من بينها الدستور الفرنسي و هذا الجهاز يعنى بتعيين القضاة و نقلهم وسير سلمهم الوظيفي فرئيس الجمهورية هو صاحب الاختصاص في تعيين القضاة غيران ذلك التعيين بقرار من المجلس الاعلى للقضاء.
اما الصلاحيات التي يمارسها خارجيا فهي الحق في اعتماد سفراء الجمهورية و المبعوثين فوق العادة و الوزراء و ينهي مهامهم و استلام اوراق اعتماد الممثلين الدبلوماسيين الاجانب و اوراق انهاء مهامهم، كما يقرر السياسة الخارجية للامة و حتى ابرام المعاهدات الدولية و المصادقة عليها.
اما اذا انتقلنا للحديث عن سلطات رئيس الجمهورية في الحالات الاستثنائية فنجد ان دستور 1996 اعطى له سلطات واسعة و كبيرة جدا اثناء الظروف الاستثنائية فرئيس الجمهورية هو الذي يقرر حالة الطوارئ و الحصار كما يمكنه تقرير الحالة الاستثنائية اذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك ان يصيب مؤسساتها الدستورية و استقلالها و سلامة ترابها، كما منح صلاحية اعلان الحرب اذا ما تبين انه وقع عدوان فعلي على البلاد او وشك ان يقع.
و خلاصة القول انه اذا كانت المؤسسات السياسية الجزائرية كلها تعمل حول رئيس الجمهورية في حالة السلم فانها في حالة الحرب لا تتقلص و تجتمع في يد رئيس الجمهورية.
ب- مؤسسة رئاسة الحكومة:
في النظام الدستوري الجزائري هي الطرف الثاني في المؤسسة التنفيذية و تتكون من رئيس الجمهورية و من عدد من الوزراء يختارهم رئيس الحكومة و يقدمهم الى رئيس الجمهورية حسبما تقتضيه الحاجة و المصلحة العامة يجتمعون في مجلس واحد متجانس و متضامن يسمى مجلس الحكومة و بحضور رئيس الجمهورية يسمى مجلس الوزراء، و قد تطور مفهوم الحكومة في النظام الدستوري الجزائري حيث انه و بالرجوع الى التسميات التي اعتمدت نجد رئيس المجلس في حكومة احمد بن بلة المستمد من دستور 1946 الفرنسي و الذي نجد اصلها في الجمهورية الثالثة و في قانون 03ديسمبر 1934 و هي التسمية رغم تبنيها عمليا اثر موافقة المجلس الوطني التأسيسي على أول حكومة لرئاسة احمد بن بلة هو الأمر الذي دفع بمؤسس دستور 1976 الى اعادة النظر في هذه التسمية بالنظر الى الانتقادات التي وجهت اليها و استعمال تسمية الوزير الأول التي يعود تاريخها الى النظام البريطاني ثم تلقفتها العديد من الدساتير و منها الدستور الجزائري.
كما أنه أصبح رئيس الجمهورية ملزما بتعيين وزير أول بعدما كان مخيرا قبل ذلك، فهولا يمارس أية سلطة تذكر سوى بمساعدة رئيس الجمهورية و تنسيق العمل الحكومي و تطبيق القرارات المتخذة، إلا أن دستور 1989 تبنى لقب رئيس الحكومة الذي ورد في تعديل 03 نوفمبر1988 حيث اعتبر اللقب أوسع و أشمل من لقب الوزير الأول لأنه لا ينفي التمايز بين الوزير الأول و الوزراء من حيث الرتبة و إنما يعني أيضا أن رئيس الحكومة يختارهم و يوزع الصلاحيات بينهم و يترأس مجلس الحكومة و يضبط برنامج حكومته و يتحمل المسؤولية السياسية أمام البرلمان و باستقالته و ابعاده تتغير الحكومة و هذا النهج هو الذي حافظ عليه الدستور الى غاية التعديل الدستوري 2008 حيث أعاد العمل بمنصب الوزير الأول و ألغي منصب رئيس الحكومة و هي إشارة من المؤسس الدستوري الى العودة إلى النظام الرئاسي.
الحكومة بين التكليف و انهاء المهام في دستور1996:
1 السلطة المختصة بتعيين الحكومة:

يؤدي رئيس الجمهورية بالنظر الى موقعه القيادي و إلى التقارير التي أرساها المؤسس الدستوري منذ الإستقلال دورا راجحا داخل النظام السياسي الجزائري لا تنافسه فيه أي سلطة أو مؤسسة دستورية أخرى، و يتبن ذلك من خلال تقفي حركية النصر و حركية التطبيقات الجارية عليه فإن رئيس الجمهورية ينفرد بتعيين رئيس الحكومة حسب ما تنص عليه المادة 77 فقرة 5 من دستور 1996 "يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة و ينهي مهامه" إلا أنه إذا كان لرئيس الجمهورية حرية التعيين فإن ذلك لا يعني أنه يتمتع بحرية مطلقة من كل قيد باعتباره حامي الدستور و ضامن استقرار المؤسسات، عليه عند توقيع التعيين البحث عن الشخص المناسب للمنصب و مراعاة بعض المقاييس التي تضمن استمرار بقاء من وقع عليه الاختيار.
الاعتبارات الموضوعية عند تعيين رئيس الحكومة في دستور 1996:
إن تبني التعددية السياسية و الحزبية تتحكم في مسألة التعيين و من تم فإن سلطة رئيس الجمهورية مشروطة بالحياة السياسية التي تتقاسمها عدة تيارات سياسية و حزبية ففي حالة نظام الحزب المهيمن و كون الأغلبية البرلمانية و الرئيس من حزب واحد، فإن رئيس الجمهورية يستطيع أن يختار من يشاء لرئاسة الحكومة و حتى أعضائها أنفسهم كون الأغلبية البرلمانية تجد في سياسته ما يحقق برنامجه الذي هو برنامج رئيس الجمهورية.
أما في حالة ما إذا كانت الأحزاب المعارضة في البرلمان لا تحتوي على أغلبية هنا معارضا أو ائتلافا حزبيا معارضا لرئيس الحكومة يعين رئيس الجمهورية و يكون مجبرا سياسيا و ليس قانونيا على اختيار رئيس الحكومة من المعارضة لأجل الحفاظ على استمرار استقرار المؤسسات السياسية، إلا أن الدستور الجزائري قد منح في النهاية لرئيس الجمهورية صلاحية تعيين رئيس الحكومة دون قيد أو شرط قانوني و قد فرضت سلطة رئيس الجمهورية نفسها في هذا الصدد مدفوعة بقوة مصدره الإنتخابي، فإذا كان الرئيس الفرنسي مثلا وفقا لأحكام دستور 1958 يتقيد بمبدأ الأغلبية البرلمانية عند تعيين الوزير الأول فإن الرئيس الجزائري الأحرج عليه في ذلك و لعل مرد ذلك أن النظام الانتخابي الجزائري يأخذ بأسلوب نسبي.
طريقة تشكيل الحكومة:
إن تركيبة الجهاز الحكومي تعرف تزاوجا و تداخلا بحيث لا يتوقف تشكيلها على جزء من السلطة التنفيذية المقصود بها ادارة رئيس الدولة دون رئيس الحكومة في اختيار الأعضاء و توزيع الحقائب عليها بل بتظافر جهودها معها الأول بالتعيين و الثاني باجراء مزدوج ينطوي على انجاز المشاورات و القيام بالاقتراح حفاظا على الانسجام و الاستمرارية و بعد التعرف على الجانب الشخصي المنصب على رئيس الحكومة تتجه نحو الحكومة باعتبارها هيئة حماية غير منفصلة عن رئيسها من حيث طرق تركيبها و القواعد العامة التي تحتكم اليها فإذا كان رئيس الدولة يعين رئيس الحكومة فإن هذا الأخير من جهته يقوم باختيار أعضاء فريق حكومي و توزيع المهام بينهم.
إجراءات تـأليف الجهاز الحكومي:
إن رئيس الحكومة أو الوزير الأول حسب التعديل الدستوري الجديد بعد تعيينه يبدأ في اجراءات و مشاورات مع مختلف التشكيلات السياسية من أجل تشكيل حكومته و أهمها الأحزاب السياسية ذات النفوذ في البرلمان، فالبرلمان التعددي يكون مشكلا من كتل برلمانية حزبية تمتلك سلطة الموافقة على برنامج الحكومة فيما كان معمول به في دستور 1996 و الوزير الأول في التعديل الأخير يقدم مخطط عمل الحكومة و نشاطها بعد المناقشة لهذا يحرم رئيس الحكومة أو الوزير الأول من اخيار اعضاء حكومته حتى يكون هنالك تنويع في التمثيل الحزبي فيها، للحفاظ على استقرارها وديمومتها و ضمان مرور برنامجها أو مخطط عملها، فرئيس الجمهورية يعين الوزير الأول في اطار التعددية الحزبية و القيم الديمقراطية عرفيا لا دستوريا من الحزب الفائز بالأغلبية.
إن لرئيس الجمهورية سلطة تقديرية واسعة في تعيين الوزراء إلا أنه للتفسير و التوضيح أكثر نكون بصدد الحالات التالية:
الحالة الأولى: نفترض اقتران بين أغلبيتين (رئاسية، برلمانية) فبالتأكيد رئيس الجمهورية سيتمتع بحرية في انتقاء الوزراء، فتشكيلة الحكومة سيتم اختيارها بما فيها الوزير الأول وفق رغبة رئيس الجمهورية دون الآخر بالاعتبار لمسألة الحزب الفائز بالأغلبية.
الحالة الثانية: نفترض أنه لم يحصل اقتران بين الأغلبيتين فالراجح في أغلبية الأنظمة البرلمانية أن رئيس الحكومة أو الوزير الأول و الطاقم الوزاري يعين من الفاعلية البرلمانية و بالتالي تكبح من الرئاسية في هذا الصدد و بالنتيجة تولى السلطة حسب مقتضيات الأغلبية المطلقة و بالتالي يتطلب الائتلاف بين حزبين أو أكثر و بالطبع يكون رئيس الجمهورية في وضع مريح من حيث اختيار الوزير الأول و الوزراء خصوصا إذا كان حزبه داخل التكتل السياسي القائم على الائتلاف و يمكن أن يكون حزب الرئيس خارج الائتلاف و مع ذلك لرئيس الجمهورية أن يعين كما يرى الوزير الأول و أعضاء الحكومة لأن الدستور الجزائري لا يحدد بنص صريح أن يختار الطاقم الحكومي من الأغلبية البرلمانية.
و هكذا بالنتيجة يصدر المرسوم الرئاسي المتضمن تشكيل الحكومة إلا أنه و إذا كنا قد أشرنا إلى أن رئيس الحكومة يختار أعضاء الحكومة أو الوزير الأول و يقدمهم لرئيس الجمهورية لأجل تعيينهم نتساءل هل يمكن لرئيس الجمهورية أن يعترض على أحد الوزراء أو مجموعة من الوزراء؟
و قد جاء التعديل الدستوري الأخير ليزيل الغموض حول هذه المسألة و هذا حسب المادة 79 المعدلة و التي أصبح فيها تعيين الوزراء يتم من قبل رئيس الجمهورية بعد استشارة الوزير الأول و بالنتيجة فإن التعديل الدستوري اسقط للوزير الأول حق الاختيار و الاقتراح الذي كان يتمتع به رئيس الحكومة قبل التعديل و أصبح دوره مجرد دور استشاري.
و إذا كان من المعروف كقاعدة عرفية كذلك في الدستور الجزائري إن لرئيس الجمهورية حق اختيار وتعيين الوزراء أصحاب الحقائب السيادية دون العودة إلى الوزير الاول و الأمر هنا لا يقوم بصدده الاشكال إلا أن الاشكال يثور في طريقة توزيع الحقائب الوزارية بين التشكيلات السياسية الراغبة في الإنضمام الى التشكيلة الوزارية خاصة إذا كنا أمام ائتلاف حكومي بين مجموعة من الأخزاب السياسية.
التدرج بين الوزراء:
التدرج آلية تمكن الوزير الأول من ضمان هيمنته على الجهاز التنفيذي أولوية تجد تبريرها في طبيعة الصلاحيات الممنوحة سواءا لاخلاصهم لشخص رئيس الجمهورية أو رئيس الحكمة أو الدعم السياسي الذي يقدمونه.
نائب الوزير الأول:
أضاف التعديل الدستوري الجديد الذي صادق عليه نواب الشعب و أعضاء مجلس الأمة في البرلمان المجتمع منصب نائب الوزير الأول و ذلك في احكام الفقرة 07 من المادة 77 من الدستور الجزائري، إذ يمكن لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا أو عدة نواب للوزير الاول لغرض مساعدته في ممارسة وظائفه و ينهي مهامه أو مهامهم، و هذه الفقرة جديدة إذ لم تكن معروفة في النسخة الاصلية منذ دستور 1996 و ادرجت بموجب التعديل الدستوري الاخير، وهكذا فان الوزير الاول يقسم صلاحياته مع نوابه في حالة ما عينهم رئيس الجمهورية ضمن التركيبة الحكومية.
وزير الدولة:
الى جانب الوزير الاول و الوزراء قد يتم استحداث منصب تابع للجهاز التنفيذي يساعد الحكومة في اداء مهامها ووظائفها و المتمثل في منصب وزير الدولة فدستور 1996 و التعيدل الدستوري 2008 لم ينص على هذا المنصب و اكتفى بذكر اعضاء الحكومة و حسب الفقه الدستوري فان هذا المنصب مرتبط بالشخص المعين اكثر من المهمة المسندة اليه و عادة ما يكون هذا الشخص من الموظفين الكبار السابقين و لكن نظرا لسمعته و تجربته في الميدان السياسي يمنح له مثل هذا المنصب و يقوم رئيس الجمهورية بتعيينه خاصة في الامور التابعة لرئاسة الجمهورية هذا فضلا على انه لا يوجد أي نص يحدد مهام وزير الدولة، و هذا الامر متروك لرئيس الجمهورية ليحدد مهامه و عليه فان مرتبة وزير الدولة الدولة ترقى الى مرتبة الوزير العادي و ان كان دور الوزير العادي اكثر فاعليه من منصب وزير الدولة مع مع التاكيد على منصب الوزير الاول يرقى على منصب وزير الدولة.
الوزراء:
يعين رئيس الجمهورية الوزراء و ذلك بعد استشارة الوزير الاول (اعضاء الحكومة) و هكذا فان تعيين الوزراء و اختيارهم اصبح امرا محجوزا لرئيس الجمهورية دون غيره بعد ان تحول دور الوزير الاول الى دور استشاري فقط بعدما كان يملك كرئيس حكومة قبل التعديل سلطة الاقتراح لرئيس الجمهورية و يختص الوزراء كل بحسب القطاع الذي عين من اجل تسييره.
كتاب الدولة:
ان الدستور الجزائري لم ينص على منصب كاتب الدولة الا ان تعيين كتاب الدولة امر معمول ب هاذ غالبا ما يتم الاعلان عن عدد من كتابات الدولة الى جانب الوزارات الموجودة على مستوى الحكومة و دورهم يتمثل في مساعدة الوزراء على اداء مهامهم و هم يعينون من قبل رئيس الجمهورية بناءا على اقتراح من رئيس الحكومة او الوزير، كما ان كتاب الدولة لا يحق لهم اقتراح القوانين او مناقشتها و على الرغم من ذلك يبقى الوزير دائما صاحب الكلمة الاخيرة في اتخاذ القرار.
الوزراء المنتدبين:
يجوز لرئيس الجمهورية و نظرا لتشعب مهامه ان يقوم بتفويض أي شخص للقيام ببعض المهام و ذلك لاحداث منصب الوزير المفوض او الوزير المنتدب و عادة ما يكون هذا الوزير معينا من اجل المهام الخارجية و على الوزير المنتدب ان يتصرف في اطار التفويض الممنوح له دون ان يتعداه، و هو مسؤول امام رئيس الجمهورية.
انهاء عمل الحكومة:
الحالة الادارية حيث كفل للوزير الاول حقه في الاستقالة، الوزير الاول أو رئيس الحكومة قبل التعديل يمكنه ان يقدم استقالته الى رئيس الجمهورية اي الجهة التي تملك سلطة التعيين و الاستقالة الدارية وفق هذا المفهوم تكون غالبا اذا ما وجد رئيس الحكومة او الوزير الاول ان سياسته لم يعد متجاوبا معها او لم تسير مع او وفق البرنامج او مخطط العمل الذي وضعه.
كما يملك رئيس الجمهورية اقالة رئيس الحكومة في اي وقت و هذا الحق ايضا منحه الدستور لرئيس الجمهورية وفق سلطته التقديرية و هو ما اشار اليه الدستور في احكام المادة 77 الفقرة (يعين الوزير الاول و الوزراء و ينهي مهامهم).
تعريف الاستقالة الوجوبية: و هي التي تكون نتيجة اما بالتصويت على ملتمس الرقابة ضد الحكومة في المجلس الشعبي الوطني، و اما اذا رئيس الجمهورية او الوزير الاول يرغب في الترشح لرئاسة الجمهورية و ذلك في حالة حصول مانع لرئيس الجمهورية او في الحالة العكسية و هذا ما اشارت اليه احكالم المادة 90 من الدستور و التي تقول انه لا يمكن ان تقال او تعدل الحكومة القائمة بحصول مانع لرئيس الجمهورية او وفاته او استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه.
اما الوزير الاول فيستقيل وجوبا اذا ترشح لرئاسة الجمهورية و يمارس وظيفة الوزير الاول حينئذ احد اعضاء الحكومة الذي يعينه رئيس الدولة.
صلاحيات رئيس الحكومة الدستورية وفق دستور 1996:
تنص المادة 85 من دستور 1996: زيادة عن السلطات التي تخولها اياه صراحة احكام اخرى يمارس رئيس الحكومة الصلاحيات التالية:
-يوزع الصلاحيات بين اعضاء الحكومة مع احترام احكام الدستور.
-يرأس مجلس الحكومة.
-يسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات.
-يوقع المراسيم التنفيذية .
-يعين في وظائف الدولة دون المساس بأحكام المادتين 77 و 78.
-يسهر على حسن سير الإدارة العمومية.
صلاحيات الوزير الاول وفق التعديل الدستوري لسنة 2008:
المادة 85 من دستور 1996: زيادة عن السلطات التي تخولها اياه صراحة احكام اخرى يمارس رئيس الحكومة الصلاحيات التالية:
-يوزع الصلاحيات بين اعضاء الحكومة مع احترام احكام الدستور.
-يسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات.
-يوقع المراسيم التنفيذية بعد موافقة رئيس الجمهورية على ذلك.
-يعين في وظائف الدولة بعد موافقة رئيس الجمهورية دون المساس بأحكام المادتين 77 و 78.
-يسهر على حسن سير الإدارة العمومية.
يملك رئيس الحكومة أو الوزير الاول عدد من الصلاحيات الدستورية تفسر مكانته داخل السلطة التنفيذية و علاقته مع باقي المؤسسات الدستورية، وبالتالي فقد أنيطت به سلطات متعددة بعضها مرتبط بالوظيفة التنفيذية وبعضها ذو طبيعة ادارية باعتباره مشرفا على العمل الاداري، كما يملك سلطات تشريعية واضحة المضامين والأهمية مثل المبادرة بمشاريع القوانين و المشاركة في تحديد جلسات البرلمان.
التحديد الدستوري للصلاحيات التي ينفرد بها الوزير الاول:
ان مهام الوزير الاول تتمثل في تنفيذ و تنسيق برنامج رئيس الجمهورية و هذا ما اشارت اليه المادة 73 من الدستور (ينفذ الوزير الاول برنامج رئيس الجمهورية و ينسق من اجل ذلك عمل الحكومة) و تتمثل عملية التنفيذ بالنسبة للوزير الاول في القيادة و الاشراف و المراقبة و التوجيه للقائمين بهذه العملية من الوزراء، كما يملك صلاحية اتخاذ القرارات بهذا الشأن، أما التنسيق فيتمثل في تحقيق الانسجام بين القطاعات الوزارية.
توزيع الصلاحيات بين اعضاء الحكومة:
يتولى الوزير الاول توزيع الحقائب الوزارية على كل وزير و يحدد صلاحياته، و في هذا الاطار فانه و بعد تعيين كل وزير تحدد له الصلاحية التي يجب عليه احترامها و عدم الاعتداء على صلاحيات الوزارات الأخرى.
رئاسة اجتماعات الحكومة:
بعدما الغى التعديل الدستوري لسنة 2008 مجلس الحكومة و ذلك في اطار التاكيد على مبدأ وحدوية السلطة التنفيذية، جاءت المادة 77 في فقرتها السادسة لتخول للوزير الاول رئاسة اجتماعات الحكومة بناءا على تفويض من رئيس الجمهورية المادة 77 الفقرة 06 (يمكن لرئيس الجمهورية ان يفوض جزءا من صلاحياته للوزير الاول لرئاسة اجتماعات الحكومة).
سلطة الوزير الاول في مجالي التنظيم والتنفيذ:
من أهم مهام الوزير الاول السهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات من اجل المحافظة على النظام العام في البلاد، غير ان تعديل تنفيذ القوانين قد يعمل عدة تأويلات و في هذا الصدد يقول جورج فيدال: "إن مضمون تنفيذ القوانين قد يعني أولا نشر القوانين و التذكير بأحكامها استعمال الاكراه و القوة لضمان تنفيذها، اتخاذ الاجراءات المناسبة التي تدخل في اختصاصات الحكومة القيام بالتنفيذ مع الحفاظ على النظام العام" و يرى عبد القادر بولمان أن تنفيذ القوانين هي وظيفة ادارية تعني أولا: قيام رئيس الحكومة بتنفيذ القوانين التي يصادق عليها البرلمان و ثانيا قيام رئيس الحكومة (الوزير الاول) بتنفيذ التنظيمات و ثالثا اتخاذ القرارات الادارية اللازمة لتنفيذ هذه الاعمال.
بينما يرى بوكرع ادريس و أحمد وافي أن تنفيذ القوانين و التنظيمات يمتد لكل القوانين الموضوعة من طرف البرلمان و المراسيم الموضوعة من رئيس الجمهورية، فالوزير الاول يعود له اختصاص المجال التنفيذي المشتق بالعودة الى احكام المادة 125.
توقيع المراسيم التنفيذية بعد موافقة رئيس الجمهورية:
بعدما كان دستور 1996 يمنح للوزير الاول حق اصدار المراسيم التنفيذية بصفة مستقلة دون العودة لرئيس الجمهورية. جاء التعديل الدستوري 2008 ليلغي هذه الاستقلالية و يربط توقيع المراسيم التنفيذية بمدى موافقة رئيس الجمهورية عليها و هو ما يدخل ضمن تكريس وحدوية السلطة التنفيذية لا ثنائيتها و المراسيم التنفيذية هي نتيجة لتكليف الوزير الاول بالسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات ذلك لأن بعض النصوص و التشريعات لا يتم تنفيذها بمجرد الاصدار و النشر بل تتطلب صدور مراسيم توضيحية تفسيرية للنص أو جزء منه، فهنالك بعض النصوص التي تحوي قواعد عامة يترك أمر تحديد كيفية تنفيذها للسلطة التنفيذية عن طريق الوزير الاول بالمراسيم التنفيذية.
صلاحية التعيين:
يتمتع الوزير الاول في اطار ممارسة اختصاصاته المقررة دستوريا بحق تعيين طائفة من موظفي الدولة المصنفين ضمن فئة الوظائف العليا غير ان الدستور وضع قيدا على ممارسة هذا الاختصاص يتمثل في اشتراط موافقة رئيس الجمهورية و عدم المساس باختصاصات رئيس الجمهورية في التعيين و فق احكام المادتين 77 و 78 من الدستور أي تنازع جاء المرسوم الرئاسي 99 رقم 99-239 المتضمن الغاء المرسوم الرئاسي 89-44 و المرسوم التنفيذي 91-307 و عوض بالمرسو م الرئاسي 99-240 الذي يتعلق بالوظائف المدنية و العسكرية المخول لرئيس الجمهورية التعيين فيها.
يسهر على حسن سير الادارة العامة:
اذا كان الوزير الاول يسهر على السلطة التنفيذية فان له مسؤوليات خاصة في الميدان الاداري بالاشراف على الجهاز الاداري و ضمان النظام في تسيير المرافق العامة ومن ذلك فان مساعي الوزير الاول لا تبلغ اهدافها الا اذا تمتع بالوسائل الكيفية و المتمثلة في ادارة قوية مهما كانت طبيعتها على قدر كبير من التنظيم ذات امكانيات و قادرة على اتخاذ اجراءات سريعة و فعالة، فمن المعلوم ان الادارة مصدر المعلومات و اصبحت من اهم الوسائل المتكأ عليها لتحقيق البرامج الحكومية في كافة المجلات و التحكم فيها يعني المسك بالسلطة التنفيذية التي تسهل عملية اتخاذ القرارات السياسية و الادارية.
الوظيفة الاستشارية للوزير الاول:
للوزير الاول مهام استشارية و ذلك بتقديم استشارة حول مسائل معينة كاعلان حالة الطوارئ و الحصار و كذا الحالة الاستثنائية او اعلان الحرب و كذلك اثناء حل المجلس الشعبي الوطني او تنظيم انتخابات او تنظيم انتخابات تشريعية قبل موعدها.
النظام البرلماني:
يعد البرلمان المؤسسة الاكثر ارتباطا بالجمهور و الانفتاح عليه و احدى مؤسسات الحكم الديمقراطي التي تجمع بين وظيفتين الولا هيكل نيابي يعبر عن ارادة المواطنين و اتجاهات الاحزاب السياسية من ناحية و من ناحية اخرى هو آلية سريعة تضع قوانين الدولة، كما ان وضع البرلمان في نظام الحكم و لا سيما في علاقته بالسلطة التنفيذية هو الذي يحدد شكل الدول و نوع نظامها السياسي (النظام السياسي الجزائري يجمع بينهما لكي يميل الى النظام الرئاسوي قريب من النظام البرلماني اي الفصل المرن بين السلطات)
و قد تميز دستور 1996 بارساء مبدأ الثنائية البرلمانية اي وجود غرفتين المجلس الشعبي الوطني و مجلس الامة، و قدا أشارت الى هذا المادة 98 من الدستور و التي تقول: (يمارس السلطة التشريعية البرلمان المتكون من غرفتين المجلس الشعبي الوطني و مجلس الامة) و له سيادة في الاعداد القانوني و التصويت عليه.
فماهي الاسباب التي ادت الى اعتناق هذا النوع في تنظيم مؤسسة البرلمان الجزائري؟ و ما حقيقة العلاقة بين الغرفتين؟ و البرلمان بغرفتيه مع الحكومة من جانب اخر؟
لماذا نظام الغرفتين في دستور 1996؟
الاصول التاريخية لنشأة نظام الغرفتين:
قد يتفاجئ البعض عندما يعلم ان الغرفة الثانية هي الاسبق في الوجود تاريخيا من الغرفة الاولى بزمن قصير، فنظام الغرفتين بدأ مع أواخر القرون الوسطى في انجلترا بصفة أساسية و ذلك منذ بداية القرن 13 ذلك ان غرفة اللوردات نشأت سنة 1215 عندما فرض النبلاء و بارونات انجلترا على الملك جون عدم فرض الضريبة الى بعد استشارتهم و قد دون هذا الاتفاق في الوثيقة التي اصدرها تحت اسم الميثاق الكبير الماقنا كارطا و أنشأ المجلس الكبير الذي تحول الى غرفة الوردات ثم بعد ذلك جاءت غرفة العموم و التي كانت كذلك تسمى بالغرفة السفلى. و بعد ذلك نشأ نظام الغرفتين في الولايات المتحدة الامريكية بموجب دستور 1787 و ذلك لاسباب فدرالية، علما ان بعض الولايات مثل فلاديلفيا و بسيلفانيا كانت لها شبه غرفة برلمانية ابتداءا من 1772، و بعد ذلك انتقل الامر الى فرنسا التي اقتدت بانجلترا و ذلك لنفس الاسباب الا و هي الطبقية و لكن بقي الامر على حاله بسبب تعدد الجمهوريات، وعلى العموم فقد عمل بنظام الغرفتين في عموم القارة الاوروبية خلال القرن 19، و قد كانت و لا زالت في مجملها انظمة برلمانية مما يسمح بالقول ان نظام الغرفتين نظام لصيق بالنظام البرلماني.
مقتضيات تبني نظام الازدواجية البرلمانية في الجزائر:
ذهب المؤسس الجزائري سنة 1996 الى الاخذ بنظام الغرفتين و هو الاصلاح الجديد الذي تجسد في هذا الدستور و من المؤكد ان الوراء من هذا التعديل اسباب منها ماهو معروف ومنها ما هو خاص بالمجتمع و منها ما هو خاص بالنظام السياسي القائم و يمكن ان نقسمها الى اسباب السياسية و اسباب تقنية تنصب على عملية اعداد القانون.
الاسباب السياسية:
يمكن ابراز خلفية هذا التوجه الجديد بالنظر الى الظروف التي عاشتها الجزائر خصوصا بعد توقيف المسار الانتخابي حيث برزت ثغرات دستورية 1989 كان لابد من ملئها، بالاضافة الى ان هذا التعديل جاء ليكرس و يحصل التوجه الديمقراطي و يحمي النظام الجمهوري التعددي، ووجود الغرفة الثانية كان من الآليات الضرورية لتحقيق الاهداف السابقة في هذا الاطار فان المؤسس الجزائري الدستوري لم يغب عن ذهنه الانتخابات التشريعية الاولى التي عرفتها الجزائر 1991 هذه الانتخابات التي ادت الى فوز و استئثار تيار سياسي واحد بأغلبية مقاعد البرلمان من دون ان يكون للنظام السياسي في دستور 1989 الوسائل الدستورية التي تحقق من امتلاك حزب واحد لكل مقاليد السلطة التشريعية خاصة و ان دستور 1989 اعطى السلطة التشريعية الكاملة الى البرلمان و في مثل هذا الظروف فان وجود غرفة ثانية من نشأته ان يخفف جموح المجلس الشعبي الوطني و اعطى الدستور لمجلس الامة الوسائل للوقوف اما المجلس الشعبي الوطني.
و هكذا يمكان ان يلعب مجلس الامة عنصر تلطيف الحياة التشريعية و هناك من يرى بان النظام السياسي الجزائري اعتمد نظام الغرفتين لكي يشرك الجماعات المحلية نظرا لما اصبح لهذه الجماعات المحلية من دور هام في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية مما يجعل مجلس الامة يسمح باكثر لكل المقترحات سواءا من مبادرة الحكومة او النواب لان وجود الغرفة الثانية يمكن ان يخفف من النزاعات التي يمكن ان تنشأ بين السلطة التنفيذية و البرلمان.و بذلك يكون النظام السياسي الجزائري قريبا كثيرا في آلياته الدستورية بالنظام البرلماني.
الاسباب التقنية او القانونية:
اذا كانت الأحزاب السياسية وراء الأخذ بنظام المجلس فلا يخفى على أهدافه انه هناك أسباب قانونية او تقنية، و في هذا المضمار فان نظام المجلسين جاء كضمان لاستمرارية الدولة و مؤسساتها و ديمومتها و في هذا الاطار قول العلامة الدستوري ديسي: (ان الحاجة الى ايجاد مجلسين اصبحت محور السياسة و اساس هذه الحاجة الاعتقاد بميل المجلس الواحد الى التسرع و الاستبداد و الفساد و بالتالي فان نظام المجلسين يحول دون استبداد السلطة التشريعية ذلك أنه اذا كانت الهيئة النيابية تنفرد بسلطة سن القوانين و وضع التشريعات المختلفة دون اي وازع في جانب هام من جوانب السلطة العامة في الدولة فان هذا يعني منح هذه السلطة و بدون مقابل يدا جديدة مستبدة و تفاديا لهذا ينبغي تفادي توزيع السلطات بين المجلسين).
موقف المعارضين للازدواجية البرلمانية (مجلس الامة):
يلخصون هذا الراي في عدم جدوى المجلس و ضرورة الغاءه و الاكتفاء بالمجلس الشعبي الوطني فالغاءه ضرورة اقتصادية تفرضها ظروف الجزائر الراهنة التي تقتضي توفير امول تنفق في غير مواضعها مثلما هو قائم بالنسبة لمجلس الامة و ما ينفق عليه يمكن توجيهه للعمل على تحسين هذه الظروف الاقتصادية و انه يثقل ميزانية الدولة.
النقد الموجه لهؤلاء المعارضين:
هذا المبرر لا جدوى منه طالما تيقنا من انه يجب ان يقف الجميع تحت مظلة الولاء و الوطنية و الانتماء للدولة الجزائرية بغض النظر على الاديولوجيات و المعتقدات و الميولات، كما ان هذا المجلس لم ينشأ رغما عن ارادة الشعب بل جاء بموافقته و بغالبية كبيرة.
كما ان اختصاصات مجلس الامة شبيهة الى حد ما بصلاحيات المجالس الوطنية الاستشارية المتخصصة كالمجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي، وبالتالي هذه الاخيرة يمكن ان تطلع بدورها خاصة و انها تضم خبرات فنية عالية و قادرة على ان تقدم اعمق من المشورة الفنية.
و بالتالي يعد مجلسا وهميا وعديم جدوى و انه غرفة تسجيل وحفظ فقط .
النقد الموجه:
بظهور وظيفة الدولة و اتساع مجال تدخلها و لا يتعارض مع المجالس النيابية و السياسية و لا تستغني احدهما عن الاخرى، فلا بد من تعاونهما الامر الذي يؤدي الى صدورالتشريع و القرار السياسي على ضوء الدراسات الفنية والعلمية، فمجلس الامة هيئة ذات سلطة ايا كان قدرها تشارك في حكم البلاد و استقرارها بينما المجالس الوطنية المتخصصة تحدد تشكيلتها من السلطة التنفيذية حيت تعد من خلالها و جزءا منها.
كما أن نظام المجلسين يؤدي الى التأخير في سير التشريع الى حد الاصراف كما انه قد يكون موضوعه مسلما ب هاو من الواجب الاسراه بشأنه و لذلك شبه بنيامين فرانكلين نظام المجلسين بالعربة التي يجرها جوادان متضاربان و لكن هذا القول يوجد فيه نوع من الاصراف حيث ان نظام المجلسين يعتبر اكثر ضمانا و ثباتا واستقرارا من نظام المجلس الفردي.
و من بين اوجه النقد الى الثنائية البرلمانية الطابع غير الديمقراطي للغرفة الثانية في رأي أنصار هذا التيار حيث يرون ان التمثيل الديمقراطي هو الناتج الوحيد عن الانتخاب العام والمباشر و ان كل اساليب التعيين الاخرى مشكوك فيها الى ان الطرح مردود عليه باعتبار انه لا توجد غرفة مثالية في العالم كله، فنظام التعيين فيها وشروط عدم القابلية لعضويتها تتغير من دولة لاخرى حسب طريقة فهم كل منها و تصورها للديمقراطية و من تم لا يجب تقييم طريقة تكوين الغرفة الثانية على اساس ذات المعيير فالديمقراطية لتكوين الغرفة الاولى اما الغرفة الثانية فتمثل ما لم يمثل في الغرفة الاولى، فالهدف ليس استنساخ نسخة للغرفة الاولى فالى جانب غرفة منتخبة مباشرة و تخضع للتجديد السريع و التقلبات السياسية الظرفية لا يمكن ان يكون من المفيد تاسيس غرفة ثانية اكثر استقرارا و اكثر تخصصا للتأمل و التفكير و الدفاع عن القيم الدائمة و المصالح العميقة للامة بعيدا عن تقلبات الظروف الانتخابية والسياسية.
تشكيلة البرلمان الجزائري:
طريقة تعيين المؤسسات الدستورية لها اهمية كبيرة في دعم الدور المنوط بهذه المؤسسات و لعل اهمها:
البرلمان الذي قسمه المؤسس الدستوري الى غرفتين حيث جعل طريقة تعيين كل غرفة هو الذي يجعل كل واحدة تمارس الاختصاصات المخولة لها دستوريا بشكل اكثر توازنا مع الغرفة الثانية و عليه فالمؤسس الدستوري باعتماده غرفتين معينتين بطريقتين مختلفتين اراد من خلاله ان يعطي للمؤسسة التشريعية اهمية كبيرة من دون ان تستطيع احدى الغرفتين من الاستحواذ على السلطة التشريعية في اطار تكاملي حيث جاءت طريقة تعيين المجلس الشعبي الوطني في المادة 101 اما مجلس الامة فجاءة طريقة تعيينه في المادة 101الفقرة الثانية و ذلك يعني بالتالي ينتخب 2/3 عن طريق الاقتراع غير المباشر و السري من بين اعضاء المجالس الشعبية البلدية و الولائية و يعين رئيس الجمهورية الباقي 1/3 من بين الشخصيات و الكفاءات الوطنية في المجلات العلمية و الثقافية و المهنية و الاقتصادية و الاجتماعية ، اما بالنسبة للغرفة الاولى فان طريقة تعيينها في دستور 1996 تعطى لها الاسبقية في المؤسسات الدستورية على اساس انها تكمل جزءا من السيادة الوطنية و لا تنازعها في ذلك الا طريقة تعيين رئيس الجمهورية المعين بنفس الطريقة الا ان رئيس الجمهورية يتمتع بالاسبقية في الدستور.
ان عدم المساواة بين رئيس الجمهورية و المجلس الشعبي الوطني تكمن في كون رئيس الاجمهورية انتخب ليمثل كافة الشعب اما النائب فلا يمثل الى دائرته الانتخابية.
و بناءا على ذلك اعطى المؤسس الدستوري للمجلس الشعبي الوطني صلاحية واسعة في مواجهة السلطة التنفيذية اقلها مراقبة الحكومة و اجبارها على الاستقالة و ذلك عند مناقشة خطة عملها.
فطريقة تعيين المجلس الشعبي الوطني هي التي تعطي للاغلبية فيه دورا حاسما في قيادة النشاط السياسي في البلاد حيث ان الفوز في الانتخابات التشريعية تعني ان الناخبين وضعوا ثقتهم في جهة او حزب سياسي معين و ما على رئيس الجمهورية الا الامتثال لهذا الواقع سواء كان في صالحه او لا، كما ان طريقة التعيين تعطيه نوعا من السمو السياسي و تجعله وراء كل محاولة للوقوف في وجه السلطة التنفيذية و هكذا فقد اعطى الدستور للمجلس الشعبي الوطني حق اللجوء الى الوسائل الدستورية في مواجهة الجهاز التنفيذي ممثلا في الحكومة هذه الوسائل لا يشاركها فيها مجلس الامة، و هي التي جاءت مبنية في الكثير من المواد الدستورية المتعلقة بالعلاقات بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية.
مجلس الأمة:
تبنى دستور 1996 النيابية البرلمانية بخلاف الدساتير السابقة التي اخذت بمبدأ احادية السلطة التشريعية كما ان اعتماد طريقتين مختلفين في عملية تشكيل كل منهما و هو الامر الذي يمنح للغرفة الثانية ممثلة في مجلس الامة صفة تختلف في جورها عن المجلس الاول و قد حدد الدستور في المادة 101 طريقة تعيين مجلس الامة و بررها المؤسس على انها تمثل طريقة اخرى تمكن الجماعات المحلية المشاركة و ابداء رأيها في الحياة السياسية على اعلى مستوى و اعطاء رئيس الجمهورية حق 1/3 محاولة لاقحام الكفاءات الوطنية في مختلف ميادين التمثيل الوطني و ذلك بالاستعانة بخبرتها عند مناقشة الاعمال التشريعية.

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019